بقلم: نضال محمد الرنتيسي 

دلالات مصطلح (الاستثمارات الدولية) في إعمار غزة

حجم الخط

غزّة - وكالة خبر

ذهبت وسائل الإعلام ذات المصداقية إلى تقدير تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة بعد حرب الإبادة الجماعية بنحو (50) مليار دولار، وهو رقم تقديري ربما يتضاعف مع انكشاف المشهد الكارثي لمحافظات القطاع التي دمرتها آلة حرب الاحتلال عن بكرة أبيها، بشكلٍ لم تعد فيه مدن وبلدات وقرى غزة صالحة للحياة، وخيارات إعمارها تتطلب جهودًا كبيرةً وتمويلًا استثنائيًا بكل المقاييس. 

اللافت في مسألة إعادة الإعمار هذه المرة، وهو سيناريو يتكرر في أعقاب كل عدوانٍ على غزة الذبيحة، أن الحديث لا يتعلق بمنح دولية لصالح الشعب الفلسطيني، عن طريق مؤتمرٍ لإعادة الإعمار، وإنما عملية تمويلٍ من خلال ما تمت تسميته (استثماراتٍ دولية)!! 

جرت العادة أن (المستثمر) لا يقدم تبرعات، ولا يُلقي نقوده من النافذة، بل يأتي حاملًا مشروعه وأمواله بهدف تحقيق أعلى درجات الربح المادي، فكيف يمكن لهذا المستثمر الدولي أن يقوم بإعادة الإعمار في غزة ويحقق في الوقت ذاته أرباحًا، والإجابة المنطقية هنا أن هذه الاستثمارات ستتحقق في حالةٍ واحدةٍ فقط؛ وهي وضع الموارد الطبيعية في غزة برسم الرهن لصالح هؤلاء المستثمرين الدوليين، وهذا يعني سيطرة المستثمرين على (الواجهة البحرية) لقطاع غزة، وهذا أمرٌ تحدّث عنه في بداية الحرب (جاريد كوشنير) صهر الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب، عندما قال بأنه ينبغي استغلال (الواجهة الساحلية الاستثنائية) لغزة بما يحقق عوائد ضخمة، ثم يأتي ترمب نفسه ليؤكد (القناعات العائلية ذاتها) متفقًا مع صهره من خلال القول بأن إعادة بناء غزة يجب أن يكون (بطريقةٍ مختلفة!!)، ويعود ليُذكّر الجميع بأن (موقعها على البحر) يمنحها مميزات إضافية، وسيطرة هؤلاء المستثمرين كذلك على حقول الغاز الطبيعي التي تقع في الإقليم البحري الفلسطيني قبالة شواطئ غزة، حيث بينت خرائط الأقمار الصناعية وتقديرات الخبراء أن هذه الثروة الطبيعية هائلة للغاية، وتلبي احتياجات أوروبا بالكامل من هذا الغاز، الذي يحتاجه الغرب بشدّةٍ خلال معركته مع روسيا بعد اندلاع حربها مع أوكرانيا. 

تشير هذه المعطيات إلى أن إعادة إعمار قطاع غزة ستكون ممولة بالكامل من الشعب الفلسطيني ومقدراته وثرواته وموارده الطبيعية، وأن هذه (الاستثمارات الدولية) ستكون أقرب إلى قروضٍ بفوائد على حساب شعبنا الذي دفع في هذه الحرب دماءه البريئة وخسر بنيته التحتية ودياره، والآن سيعيد بنائها على حساب ثروات أجياله ومستقبلهم.