استدراكات «حماس» والصفقة ...!

b4074a08395cccfa2439721cb44bffc8.jpg
حجم الخط

الكاتب: أكرم عطا الله


 

لن تخلع اسرائيل جلدها لتصبح دولة عادية، فالذاكرة الشفهية والنصية تحتفظان بما يكفي من المراوغات منذ تشكل الأسطورة وصولاً لتشكل الدولة وما بعدها، منطق الأشياء أن موافقات الصفقة تمت وبانتظار الإعلان، أما اللا منطق الإسرائيلي فيستدعي كعادته الشياطين المحشوة في التفاصيل على طاولات التفاوض. هكذا يحدث في أي مفاوضات كان الإسرائيلي طرفاً فيها.
سلمت «حماس» ردها الذي قدمت فيه ما يكفي من تنازلات مطلوبة لكنها حاولت أن تغطي تلك التنازلات ببعض الملاحظات حفظاً لماء الوجه لا أكثر، أو لمحاولة ترتيب إجابة عن قبولها ما رفضته منذ أشهر، كان فارق الدم بينهما فادحاً. فالملاحظات التي قدمتها هي ملاحظات هامشية بل يحمل بعضها تنازلات أكبر مما هو متوقع عندما توافق على العودة لحدود الثاني من آذار، هذا يعني القبول وشرعنة التواجد الإسرائيلي في خط فيلادلفيا بهدف إنجاح الصفقة.
أما باقي الملاحظات غير الجوهرية فلا تعطل اتفاقا، فوسائل الإعلام الإسرائيلية تشير لتلكؤ عبر مفاوضات قادمة على تفاصيل ما قدمته حركة حماس كأن اسرائيل تتسلح بما تحمله من سوء النوايا التي تجسدت طويلاً في مفاوضات سابقة لعقود مع الفلسطينيين خاصة أن هناك في الحكومة الإسرائيلية من يرفضون مجرد الحديث عن تهدئة وهو الثلاثي سموتريتش وبن غفير بالإضافة لوزير التراث عميحاي إلياهو، وهو وضع لا يجعل رئيس الحكومة يتوق لصفقة بقدر توقه لتفجيرها وهو ما كان يجب أن تقرأه حركة حماس وهي تقدم ردها الذي لا يحمل أي مضمون حقيقي يحمل تأثيراً كبيراً على حياة الغزيين، فالمأساة حدثت ولا شيء يصلح ما انكسر.
هل ستعلن التهدئة، غداً، كما كان متوقعاً في اللقاء المشترك بين نتنياهو وترامب؟ الإشارات الإسرائيلية لا تحمل ما يطمئن، كأنها تريد أن تعصر حركة حماس مثل ليمونة بعد أن قدمت التنازل الأكبر الذي حال دون التوصل سابقاً للهدنة وهو اشتراطها وقف الحرب نهائياً، وهو ما كان يكرره اكثر من مسؤول عن نهاية زمن الصفقات المؤقتة وأن الحركة لن تقبل صفقة لا تنهي الحرب صاعدين على أعلى الشجرة قبل هذا النزول الكبير المطلوب، في ظل رفض إسرائيلي صارخ ويستمر بالقتل يومياً بلا توقف بل ويقتحم مناطق جديدة ويستكمل تدمير القطاع وتحويله لمنطقة غير قابلة للحياة. فلم يكن شيء يستحق أن تتوقف أمامه «حماس» أكثر من وقف القتل ولو مؤقتاً وقد حدث بتخليها عن الشرط لتستبدله بطلب أن تستمر اسرائيل بالتفاوض معها بشكل غير مباشر بعد مدة الستين يوماً التي تنتهي بعدها الصفقة.
اسرائيل بارعة بالتنصل والتهرب من المفاوضات، وهذا أيضاً ليس أكثر من مطلب شكلي، وبكل الظروف اسرائيل نفسها بحاجة للمفاوضات، حيث يتبقى بعد هذه الصفقة أسرى آخرون لدى حركة حماس وقد جربت كل الطرق لاستعادتهم ولم تنجح سوى بالمفاوضات وبالتالي لا خيار لها إلا بالتفاوض ومن السذاجة أن تضعه «حماس» شرطاً أو ملاحظة فنية تتذرع بها اسرائيل ومثلها باقي ملاحظات «حماس» التي لا تحمل أي مضمون حقيقي.
سيصاب الناس بخيبة أمل كبيرة إذا ما جعلت اسرائيل من ملاحظات هامشية قضية مركزية تتذرع بها لاستمرار الإبادة. فإذاعة الجيش الإسرائيلي تقول بالأمس، إن الأمر سيستغرق وقتاً وتقدم أسئلة فعلاً تحتاج إجاباتها إلى زمن تفاوضي على نمط: ما هي خطوط انسحاب الجيش، وهل سينسحب من المناطق التي احتلها في العملية الأخيرة، ومن الذي يحدد هوية الأسرى الذين سيطلق سراحهم، وكم عدد الأسرى الفلسطينيين، وكم العدد المقابل لكل إسرائيلي حي أو مقابل الجثث وهكذا ...!
تكمن المشكلة في الموقف الأميركي الذي يصطف خلف اسرائيل بكل ما تقوله حتى حين تتذرع أو تتهرب يقوم بتأمين التغطية، وهو ما أعاد نشر أجواء من الإحباط تحديداً لدى سكان غزة الذين يتعلقون بالأمل ولو بوقف مؤقت لهذه المقتلة التي عجز العالم عن وقفها ولم يعد لديهم سوى نافذة تنازلات تقدمها حركة حماس وتقبل بها اسرائيل التي تحتكر القوة ولديها ما يمكنها من استمرار القتل لسنوات قادمة، وفي ظل الخلل الهائل في ميزان القوة لم يبقَ سوى تنازلات «حماس» وهذا قد تم فلماذا تناور اسرائيل؟
بكل الظروف ليس هناك ما يعطل صفقة تنازلت فيها «حماس» عن شرط اسرائيل بعدم وقف الحرب، خاصة أن المجتمع الإسرائيلي أصبح مهيأ لعودة بعض أسراه ولا يمكن في ظل إعلان الرئيس ترامب عن اقتراب الصفقة أن تتمكن اسرائيل من التلاعب طويلاً. فأغلب الظن أن اسرائيل ستحاول ابتزاز «حماس» متكئة على منطق القوة والتواجد العسكري لفرض شروطها فليس هناك قوة بإمكانها إرغامها على ما لا تريد ...هي محاولات ابتزاز اللحظة الأخيرة قبل الإعلان لتثبيت وقائع أو لفرض حقائق القوة.
هناك هدف البقاء الدائم في خط فيلادلفيا بين مصر وقطاع غزة وبعض الأخبار تتحدث عن خط موراج أيضاً وتواجد ربما في نتساريم، وفرض منطق المساعدات بالشكل الذي يضمن إدامة تعذيب الغزيين لزيادة كراهيتهم للمكان وفرض استمرار الحرب بلا نهاية وتواجد عسكري دائم في غزة، وأمام كل ذلك لسنا أمام فشل صفقة ولهدوء شهرين لغزة الحزينة.