حتى لو افترضنا جدلاً، بأن حركتي فتح وحماس، استطاعتا أن تتجاوزا مشكلة موظفي حماس في غزة، بمن فيهم أفراد القسام العاملين في أجهزة الشرطة والأمن الداخلي، وكل ملفات "الخلاف" التي ما زالت تحول دون التمكن من، ليس فقط الإعلان عن إنهاء الانقسام، بل والإعلان عن أن حكومة التوافق قد تمكنت من غزة، وتم إنهاء الانقسام فعليا، رغم أن ذلك أمر يبدو بعيد المنال، لأن السلطة المركزية _ على ما يبدو _ ما زالت ترفض سيطرة شكلية على قطاع غزة، في حين أن ليس القيادة السياسية وحسب لحماس، بل جناحها العسكري، وبالتحديد القسام، لا يمكنه ولا بأي حال من الأحوال أن يقبل وضع حد لسيطرته الفعلية على قطاع غزة ! المهم، انه بالقول، لو افترضنا جدلا أنه تم الإعلان غدا عن إنهاء الانقسام، ودخلت ليس فقط حكومة التوافق، وحتى رئيس السلطة وقادة أجهزة السلطة الأمنية مع آلاف من عناصر تلك الأجهزة، ليس فقط للجانب الفلسطيني من معبر رفح، ولا حتى على الجانب الفلسطيني من كل المعابر، بل وداخل القطاع بمدنه وقراه وأحيائه ومخيماته، فهل يكفي هذا للاطمئنان بان الوضع الداخلي بات بخير، وعلى خير ما يرام ؟ ! هل مثل هذا الوضع يضمن سيادة القانون المدني، ويضمن في ظل بقاء التنافس السياسي بين حركتي حماس وفتح للسيطرة والتفرد، عدم العودة مجددا للاقتتال والانقسام، أم أن التوصل لمثل هذا الوضع، لن يكون أكثر من استراحة محارب، أو من حل مؤقت، لا احد يضمن التراجع عنه والعودة إلى ما كان عليه الحال من قبل، حين تتغير الظروف، أو حين يدرك احد الطرفين بان إنهاء الانقسام، قد نال من مصالحه ومن وضعه التنظيمي أو السياسي ؟ ! الم تكن مناطق ولاية السلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة "موحدة" حتى حزيران من العام 2007، أي بعد إنهاء إسرائيل لاحتلالها لقطاع غزة من جانب واحد، وبعد إجراء الانتخابات الثانية وفوز حماس بأغلبية مقاعد التشريعي، وظهور حالة "ثنائي" الرأس القيادي للسلطة، بوجود رئيس فتحاوي وحكومة حمساوية، وحتى بعد اتفاق مكة، إلى أن تدخل "القسام" بالتحديد لفرض سيطرة حكومة حماس على أجهزة امن السلطة (الوقائي، المخابرات، الاستخبارات ,,, ) بحجة أنها ما زالت موالية لفتح، وترفض الانصياع لرئيس الحكومة الحمساوي، وقد بدأ الأمر بتشكيل أول وزير داخلية حمساوي _ سعيد صيام _ لما سمي بالقوة التنفيذية، وكانت نواتها الصلبة قسامية، والتي تولت لاحقا قيادة، ما سمي بالحسم العسكري، أي الاقتتال الداخلي، بهدف فرض سيطرة حماس على السلطة، ونجح الأمر "جزئيا" أي في غزة، وفشل في الضفة، وبذلك ظهر الانقسام؟! هل ستفكر السلطة المركزية، أو سلطة فتح، خاصة لو أنها نجحت في الانتخابات _ إن جرت _ التي ستلي "إنهاء الانقسام" في وضع حد لسلطة القسام على الأرض، وكيف ستتعامل مع أجهزة امن حماس الحالية، هذا هو السؤال الأهم، ذلك أننا في حمأة الحلم بإنهاء الانقسام، لا نفكر في الخطوة التالية، وفيما يمكن أن يضع حدا نهائيا، بعد ذلك لأية محاولة، من قبل أي احد بإحداث اقتتال داخلي، يفضي إلى انقسام آخر. نظن بأنه بات من الضروري أن يتضمن الاتفاق بين فتح وحماس على إنهاء الانقسام، أن ينص الاتفاق على رد فلسطيني على الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة، وإن كان متأخرا، بوقف العمل باتفاقات أوسلو في قطاع غزة، وبالتالي إعلان غزة محررة من الاحتلال الإسرائيلي، وسريان القانون الفلسطيني بالكامل عليها إضافة للقانون الدولي، وانه ليس من حق إسرائيل أن تتحكم لا بالمياه الإقليمية الفلسطينية، التي يجب أن تصبح مياها دولية، ولا بثروات غزة الطبيعية، خاصة الغاز منها. وهذا _ بتقديرنا _ يصحح خطأ تاريخيا وقع فيه الكل الفلسطيني عام 2005، حين جلب لنفسه قيود اتفاقية كوندليزا رايس الخاصة بالمعابر وخاصة معبر رفح، كذلك الإعلان عن سلطة دولة فلسطين وليس سلطة الحكم الذاتي على قطاع غزة، بدستور الدولة وقوانينها، تماما كما كانت ثقافة حركة التحرر الفلسطينية تقول بإقامة الدولة المستقلة على أي جزء يتم تحريره، وتماما كما كانت حكومة عموم فلسطين، وحيث لم تمنع إقامة دولة فيتنام الشمالية "الفيتكونغ "من تحرير الجنوب وضمه لاحقا للدولة، وكما لم يمنع تقسيم ألمانيا من توحيدها، وكما حتى لا يمنع تقسيم كوريا من كون الكوريتين قومية واحدة، لابد أن تتوحد في يوم ما، وكما لم تحل إقامة نظامين مختلفين في شطري اليمن من توحيدها لاحقا. على أن يعني هذا، تحويل كل المجموعات العسكرية في قطاع غزة، وفي المقدمة منها، القسام، إلى تشكيلات الجيش الوطني الفلسطيني، الذي مهمته حماية حدود الدولة والحفاظ على استقلالها، من العدو الخارجي _ الإسرائيلي، وانتقال كل مجموعات المقاومة إلى الجناح المحتل من الوطن _ الضفة والقدس _ كذلك إخضاع كل الفصائل وفي المقدمة حماس وفتح لقانون الأحزاب، وغير ذلك يعني أن نراوح مكاننا، وان يصبح ليس فقط هدف إنهاء الانقسام، بل هدف التحرير وإقامة الدولة الموحدة للضفة والقدس وغزة، بعيد المنال، إن لم يكن مستحيلا بالتمام والكمال!