التوجه الفرنسي، للإعداد جدياً، لعقد مؤتمر دولي للسلام، بدأ يأخذ أبعاداً عملية، تتجاوز حدود بلورة الفكرة، إلى وضع أسس لتجسيدها على الأرض. الفلسطينيون من جهتهم، يرون في ذلك، توجهاً وجهداً، يتوافق مع إخراج المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، من مأزقها الراهن، ووصولها حد الجدار، إلى آفاق يمكن من خلالها، للمجتمع الدولي، وهيئاته القانونية من أن تفعل شيئاً... الإسرائيليون من جهتهم، وفي حقيقة موقفهم، هم لا يزالون، يرون بأي تدخل دولي، بمسألة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، أمراً مرفوضاً، ويرون في المسار السياسي، بينهم وبين الفلسطينيين، شأناً إسرائيلياً داخلياً، لذا يعملون على ملامح الجغرافيا في الضفة الغربية، وكذلك الديموغرافيا، وعلى نحوٍ يتناقض مع أبسط القواعد القانونية الدولية والإنسانية... تسارع إسرائيل، الآن، وعلى ضوء ما يحدث من ترتيبات، بشأن عقد المؤتمر الدولي للسلام، للإسراع، بإعلان خطط استيطانية جديدة، خاصة في القدس، وما حولها، وكذلك، الإسراع بشق طرق جديدة، تربط المستوطنات، خاصة وسط الضفة الغربية... غير آبهة إطلاقاً، لا بالمجتمع الدولي، ولا بالقانون الدولي، وبمرجعيات الشرعية الدولية. التوجه الإسرائيلي هو توجه متصادم، مع توجهات أي مؤتمر دولي للسلام، لأنها لا ترى فيه، مكاناً ملائماً للتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، وعلى النحو الذي تراه وترسمه في ذهنها. كان لنا، كفلسطينيين، تجارب عدة، فيما يتعلق بالمؤتمرات الدولية، أبرزها ما حدث في أنابولس، وما تمخض عنه، ومن الطبيعي والمشروع، أن نقوم بمراجعة وتقييم، ما حدث في تلك المؤتمرات، وبالتالي تحديد رؤيتنا وتصورنا لما نريده نحن من هذا. المؤتمر، الذي سيشكل، دون شك، مفصلاً هاماً، من مفاصل مجريات القضية الفلسطينية، وفي الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. لعله من نافلة القول، إن عقد المؤتمر، وما سيتم التداول فيه، ليس مضيعة للوقت، كما رأت بعض الأوساط الفلسطينية، وفي المقدم منها "حماس"، كما وأنه يأتي وفق اعتبارات ورؤى ومصالح، باتت قائمة في العالم السياسي الراهن. هنالك قناعة أوروبية، بأن ليس الصراع في الشرق الأوسط، على نحو شامل وعادل. ستبقى بؤر الصراع في الشرق الأوسط، تحتدم، وتزداد اشتعالاً، وهذا ما يهدد السلم والأمن الدوليين، وعلى نحو واسع، وقد تلمسنا ذلك في الأزمة السورية، وتداعياتها، التي لا تزال فصولها تتوالى وتزداد. هنالك مصلحة أوروبية في تسوية القضية الفلسطينية، والوصول لدرجة القدرة، على إطفاء الحرائق في الشرق الأوسط عموماً، وهنالك بروز لافت للنظر، للقدرة الإيرانية على لعب دور لاعب أساس ورئيس في الشرق الأوسط، وكذلك الدور الروسي. ما ستحاوله إسرائيل، إزاء المؤتمر الدولي للسلام، هو التقليل من أهميته، ومحاولة التملص منه ومن مجرياته وما سينتج عنه، وتحت دعاوى متعددة ومتشعبة. إزاء ذلك، لا بد من بلورة رؤية فلسطينية واضحة للغاية، عبر أكبر قدر من الإجماع الوطني الفلسطيني، حول المؤتمر الدولي للسلام، نضع في أولوياتنا، إبراز دور الاستيطان، كعقبة أساسية تقف في وجه أي توجه جدي وعملي، لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، للأراضي الفلسطينية في العام 1967، وتقف حائلاً دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة. وأن تحدد مرجعيات المؤتمر الدولي، وفي المقدم منها، مقررات الشرعية الدولية. نحن الفلسطينيين، طرف أساس ورئيس في المؤتمر الدولي، دون تحديد رؤيتنا وما نريده، سيستحيل نجاح هذا المؤتمر!