إذا صحّت الأخبار التي تتحدث عن «اتفاق» قد تم فعلاً بين حركتي فتح وحماس حول «حكومة وحدة وطنية» وحول برنامجها بحيث يكون هذا البرنامج هو برنامج المنظمة من حيث الجوهر ومن حيث الالتزامات، وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في غضون ستة أشهر في إبرام هذا الاتفاق.... إذا صحّت هذه الأخبار فإن هذا الاتفاق ـ في حدود ما أعلن عنه حتى الآن ـ لا يختلف من حيث الجوهر ـ ولا حتى من حيث الشكل ـ عن اتفاق الشاطئ الذي انتهى إلى ما بتنا نعرفه جميعاً وكيف أن هذا الاتفاق قد أفضى في الواقع إلى إعادة تأزيم العلاقة بين الحركتين بصورة أسوأ مما كانت عليه هذه العلاقة قبل الاتفاق. والسبب معروف ومعترف به. إذ إن كل اتفاق على المبادئ العامة لا يغني أبداً عن الاتفاق على آليات التنفيذ من جهة وعلى مواعيد إنجاز مراحل التنفيذ من جهة أخرى. هذا على مستوى المبادئ نفسها. أما الأهم فإن نفس هذه المبادئ لا تكفي للحديث عن اتفاق «مثمر» و»فعال». وعملياً لا قيمة لحكومة وحدة وطنية إذا كانت غير قادرة على السيطرة على أجهزة السلطة التنفيذية في حدود الصلاحيات المحددة وإذا كانت غير قادرة على تحديد نقاط التداخل والتشابك والتماس مع كافة الأجهزة التنفيذية (غير الرسمية) أو الموازية للسلطة التنفيذية أو تلك التي «تتحكم» بالمفاصل الأمنية والاقتصادية وغيرها من المجالات. وقيمة أن تكون الحكومة التي ستنبثق عن هكذا اتفاق إنما تكمن بالذات في هذه القدرة تحديداً وليس في أية قدرة أخرى. إذا لم تتمكن أو تمكّن هذه الحكومة من ذلك فإن الحكومة ليست حكومة شراكة وطنية، وهي ليست حكومة فاعلة، وهي ليست مؤهلة حتى لإجراء الانتخابات والإشراف الحقيقي عليها. ولن يكون بالإمكان عمل أكثر من «مناورة» سياسية «لتجاوز» مشكلة معبر رفح وإعادة الالتفاف على هذه المشكلة والحصول على «ضمانات» كافية لحلّ «أزمة» الموظفين وإعادة ترسيمها من جديد لكي يصار إلى «تثبيت» ما يترتب على هذا الحل كنوعٍ من «الدين الممتاز» واستخدام هاتين المسألتين بالذات ـ أي المعبر وحقوق الموظفين ـ كمعيار وحيد لنجاح حكومة الوحدة الوطنية من عدمها وكأهداف مباشرة (ووحيدة) لهذه الحكومة كشروط مسبقة «لا بدّ» من تنفيذها بالكامل «للسماح» بإجراء الانتخابات بشقيها التشريعي والرئاسي على حد سواء. وبالتالي فإذا كان الاتفاق الذي يجري الحديث عنه خالياً من تفاهمات مكتوبة ودقيقة التحديد والصياغة لكل هذه المسائل فإننا في الواقع لسنا أمام مشروع اتفاق وإنما أمام «صلحة» تشبه إلى حد بعيد «صلحة» اتفاق الشاطئ بكل ما ترتب عليه من ويلات سياسية وأزمات شاملة للعلاقات الوطنية. وبالمناسبة، فإن ما أراه بالنسبة لاتفاق الشاطئ ـ طالما أن العبرة دائماً بالنتائج ـ هو أن هذا الاتفاق قد أدى من بين ما أدى إليه إلى حشر حركة «فتح» في زاويةٍ لم تكن تحسد عليها آنذاك وما زالت لا تحسد عليها حتى الآن. والذي حصل بالفعل هو إعادة تحويل «كامل» موضوع الوحدة الوطنية إلى مسألة موظفين ليس إلا، وتم «ربط» ممارسة حكومة «التوافق» لأدنى صلاحياتها بما في ذلك الجانب الشكلي من هذه الصلاحيات بتلك الحقوق حصرياً. وحتى لا تعود «حليمة لعادتها القديمة» فإن «ربط» تطبيق المبادئ العامة بمجموعة «مطالب» لهذا الطرف أو ذاك لا يعني في الواقع سوى المزيد من تشجيع حليمة للعودة إلى عادتها القديمة مع فارق بأن تكون هذه العودة في هذه المرة العودة التي تنسف الإمكانيات كلها في الحاضر وتقضي على أية آمال في المستقبل. وأغلب الظن أن «إرجاء» الخوض في المفاصل والتفاصيل التي أشرنا إليها ـ كما جرت عليها العادات الوحدوية الفلسطينية ـ سيؤدي إلى قتل الاتفاق في مراحل مبكرة من ولادته. أما فيما يتعلق بالبرنامج السياسي فالحديث هنا له شجونه الخاصة. فعندما تلوح في الأفق (أفق الاتفاق) درجة معينة من «الأمل» بتحقيق المطالب الخاصة إذا لا يتم الخلاف أصلاً على المطالب العامة... فإن مسألة البرنامج السياسي تتراجع في ذهن الأطراف حتى تبدو وكأن الإشارة إلى برنامج المنظمة هو من قبيل التحصيل الحاصل وان الإشارة العابرة إليه قد جاءت من قبيل التأكيد على المؤكد. أما عندما لا تلوح تلك المطالب في الأفق فيتحول البرنامج ـ بقدرة قادر ـ إلى موضوع كبير وخطير، للخلاف، ويتم استخدام «الخلاف» على البرنامج وكأنه السبب «الوحيد» لتفجير الاتفاق. باختصار وبساطة: هذا «الفيلم» رأيناه وحضرناه وهو ليس مشوقاً إلى الدرجة التي قد يبدو عليها.