حول انتخابات جامعة بيرزيت

عاطف-أبو-سيف
حجم الخط

أثارت انتخابات جامعة بيرزيت الأخيرة الكثير من النقاش وتم تهويل الأمر وتصويره بوصفه خسارة كبرى لفتح وربحا كبيرا لحماس، ولم يلتفت أحد مثلاً إلى انتخابات الجامعات الأخرى في الضفة الغربية (غزة لا انتخابات فيها) التي لم تنجح حماس في أي منها. وكالعادة فإن حقيقة أن الأمر يدور حول بيرزيت كفيل أن يكتسب أهمية خاصة لمكانة الجامعة في مسيرة التعليم العالي الفلسطيني ودورها في مرحلة الثمانينيات في الحراك الوطني الكفاحي. لكن النقاش كالعادة ارتكز على جملة من الافتراضات وبعض المغالطات التي حملته بعيداً عن مجرى النهر الحقيقي. كأن الفتحاويين أفاقوا فجأة على حقيقة أنهم يخسرون في بيرزيت، وكأنهم لا يعرفون أن فتح تخسر الجامعة منذ العام 1994 حين تحالفت حماس مع كل قوى اليسار فيما عرف بالتحالف العشري من أجل هزيمة فتح والإطاحة بها بعد سنوات من هيمنتها على مجلس الطلاب. كانت تلك واحدة من أكثر معارك بيرزيت الانتخابية شراسة استخدمت فيها كل العبارات والمقولات والسب والشتم على فتح التي بدأت في ذلك الوقت ملامح مشروعها السياسي القائم على التفاوض كوسيلة لاسترداد ما يمكن استرداده تتبين. يبدو أن الكثيرين ممن علقوا على انتخابات بيرزيت خاصة من قواعد فتح وأنصارها وقيادتها لا يعرفون تاريخ الصراع الانتخابي في الجامعة الفلسطينية الأعرق، ولا يعرفون أن المعركة كر وفر بين فتح وحماس في الجامعة منذ ذلك الوقت، إذ تنجح حماس فترة وتنجح فتح فترة وهكذا. والأدهى من ذلك أنه حتى في ذلك الوقت الذي خسرت فيه فتح في بيرزيت العام 1994، كان التأييد الشعبي لعملية السلام التي تقودها فتح في أوجه. فقط راجعوا استطلاعات الرأي لتروا كيف كانت عملية السلام على ما قد يساق ضدها من عيوب ومخاطر، تحظى بتأييد جماهيري عريض، على الأقل هكذا كانت استطلاعات الرأي والمزاج العام يقول. لكن رغم ذلك دفعت فتح في بيرزيت فاتورة أخرى مختلفة عن الترجمة الحقيقية للمزاج العام. أقول هذا الحديث لأنني كنت طالباً في الجامعة وأحد أبناء الشبيبة فيها وأعرف الخيبة التي مُني بها أبناء الشبيبة في ذلك الوقت. السؤال المتعلق بهذا إذا كانت الانتخابات هي انعكاس لمزاج الناس فلماذا سقطت الشبيبة وقتها. ما أقترحه هو النظر بموضوعية إلى الأشياء وتحليلها وفق السياق الخاص بكل حدث منها. لصيق بذلك هو تلك العبارات الكبيرة الرنانة التي أطلقها خصوم فتح خاصة في حماس حول نتائج الانتخابات. بل إن قيادة حماس اعتبرت ما حدث استفتاءً عاماً على مواقف الحركة وقبول الناس لها ورفضها لتوجهات فتح. كلام خطابي لا مضمون حقيقيا له؛ لأنه يفترض أن قيادة حماس لم تسمع بعشرات الانتخابات الأخرى التي تمت في الجامعات الأخرى في الضفة الغربية تحديداً والتي فازت فيها فتح أو بتلك الانتخابات التي جرت في بعض النقابات وفازت فيها فتح أيضاً. وكأن المزاج العام لا يقرره إلا الرغبة الخطابية لدى البعض وليس حقيقة مواقف الناس. ولا يعرف أحد كيف تكون نتائج بيرزيت هي الباروميتر الحقيقي للرأي العام حول توجهات التنظيمات فيما هناك في فلسطين أكثر من عشر جامعات وعشرات الكليات المتوسطة ومؤسسات التعليم العالي الأخرى. ما يحدث أن الانتخابات في الجامعة تصبح جزءاً من خطاب الانقسام المؤسس على السب والردح وتشويه الحقائق، لأنه الأجدر النظر إلى مجمل نتائج الجامعات والنقابات قبل الحديث عن فوز حماس أو خسارة فتح، لأن حقيقة الأمر ستقول شيئاً مختلفاً، ولكن يبدو أن تضخيم الخطاب يتطلب في الكثير من الأحيان، أو حتى دائماً، القفز عن الحقيقة. والافتراض الساذج حتى الذي يتشارك فيه المولولون من فتح هو أن بيرزيت شيء مختلف عن كل الجامعات الاخرى. وكأحد خريجي الجامعة فإنه لا مشكلة لدي في ذلك، بل إن طلبة بيرزيت معروفون بعنصريتهم (الإيجابية) حين يتعلق الأمر بجامعتهم العريقة. ولكن عند فحص الأمر بمجهر التحليل الواقعي بعيداً عن العواطف فإن الحقيقة ستكون شيئاً آخر. انتهى الزمن الذي كانت فيه بيرزيت تمثل باروميتر ونبض الشارع. بيرزيت التي كان طلبتها يفدون من كل بقاع فلسطين باتت الآن أقرب للجامعة المحلية لمحافظة رام الله حيث إن جل طلبة الجامعة من رام الله والقدس وما تبقى لا يتجاوز المئات من المحافظات الأخرى. ربما لا يزيد عدد طلبة غزة على أصابع اليد مثلاً. اكتسبت بيرزيت قيمتها التاريخية من أنها أول جامعة فلسطينية وبالتالي النظر إلى نتائجها كان يعني قياس ما يمكن قياسه من توجهات الناس عبر الفسيفساء الجغرافية التي تمثلها الجامعة العريقة. لكن اليوم ومع وجود عشرات الجامعات والكليات في كل مدينة تقريباً، لم يعد مثل هذا التمثيل صحيحاً. والأمر الذي عجز الفتحاويون عن رؤيته هو حقيقة تقدم الشبيبة في الجامعة بمقعدين عن العام الماضي وخسارة حماس لمقعدين. النتيجة انتخابياً كانت تقدماً للشبيبة ولم تعن خسارة. صحيح أن الهدف كان الحصول على العدد الكافي لتشكيل المجلس، لكن حماس لم تحصل على هذا العدد كما حصلت المرة الماضية. وهذا يعكس وجهة نظر مبتورة عن الديمقراطية القائمة على حقيقة الكسب المطلق. وهي وجهة نظر بعيدة تماماً عن حقيقة الممارسة الديمقراطية. فالشبيبة استطاعت أن تتقدم جزئياً، صحيح أنها لم تحسم المعركة، لكنها كسبت نقاطاً فيها، والعمل المستمر والدؤوب وحده يمكن أن يدفع العجلة للأمام، أما مجرد البحث عن الأخطاء فإنه لعبة من لا يجد ما يعمله. أداء الشبيبة كان أفضل عن العام الماضي ودعايتها الانتخابية ومناظرتها، لكن حتى في هذا النقاش فإننا ننجر إلى خطاب متوحد مع ذاته غير منفتح على الآخرين، لأن الأساس هو حقيقة العملية الديمقراطية التي تجعل الجميع يساهمون في صناعة المواقف والسياسات الطلابية في هذه الحالة. وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من الحديث بجدية عن إجراء انتخابات طلابية في جامعات غزة المحرومة من هذا الحق، بعيداً عن تدخل الأجهزة وفرضها أي شكل من أشكال الرقابة.  ويجب في هذا النقاش أن نقول شكراً لفتح التي تقبل أن تخسر ولا تقبل أن تعطل العملية الديمقرطية. شكراً لفتح التي ترى نفسها صغيرة أمام فلسطين، وعليه فإن إجراء انتخابات في جامعات غزة سواء تلك التي تفوز فيها حماس أو تخسر يجب أن يكون مطلباً وطنياً بدلاً من الانشغال بالعبارات الكبيرة. وبدلاً من أن يقول السيد خالد مشعل إن ما جرى في بيرزيت استفتاء عليه أن يقول إن طلبة بيرزيت الذين مارسوا حقهم بحرية مطلقة، بفضل مساحات الحريات الممنوحة لهم، ليسوا أفضل من طلبة الأزهر والإسلامية والأقصى وغيرهم.