لا تقل تصريحات الأمير تركي الفيصل، مدير المخابرات والسفير السعودي السابق في واشنطن، الأخيرة، بشأن العلاقات الأميركية السعودية دلالة وأهمية، عن حقيقة ظهوره في ندوة مشتركة نظمها "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، الأميركي، وجمعته مع المستشار السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الجنرال المتقاعد ياكوف أميدرور.
في لقاء مع شبكة "سي. إن. إن" الإخبارية، مؤخراً، قال الفيصل: لقد تغيرت العلاقات السعودية الأميركية "بطريقة لا رجعة فيها". وقال إنه لا بد من التفكير "كم يمكن الاعتماد على الأميركيين"، وتوقع أنّ "أي رئيس أميركي لن يعيد العلاقات كما كانت في السنين الخوالي".
يشير الفيصل هنا إلى خلافات ومواقف حدثت في السنوات الأخيرة، أولها، عدم اكتراث واشنطن لمصير الرئيس المصري محمد حسني مبارك، وهذا ضرب فكرة الدعم الأميركي للأنظمة الحليفة. ثم جاء التحفظ الأميركي إزاء التدخل في سورية، ثم الاتفاق الأميركي-الإيراني لتسوية ملف المشروع النووي. وفي هذه الملفات، وقبل ذلك في ملف العراق، وجد السعوديون أنفسهم في مواقف لا يمكن التعويل فيها على الطرف الأميركي.
سيستمر التحالف الاستراتيجي الأميركي السعودي، خصوصا أمنياً؛ لو تعرضت السعودية لتهديد عسكري أو أمني مباشرين. لكن ترتيبات واشنطن الإقليمية ورؤيتها للمنطقة، قد لا تتفق مع الطموح السعودي، وبالتالي لا بد من الاعتماد على الذات مباشرة. وهذا كان واضحاً في حالة مصر، والدعم السياسي للنظام السابق وإعادته (بوجوه أخرى مختلفة نسبياً)، أو التدخل في سورية واليمن والبحرين ودول أخرى.
الحقيقة الاستراتيجية الأولى، التي تشير إليها تصريحات الفيصل الأخيرة، هي حقيقة تغيرات التحالف الأميركي السعودي.
في مؤتمر "معهد واشنطن"، كرر الفيصل ضرورة إعادة "تشذيب" العلاقات مع الولايات المتحدة وضرورة التفكير فيها، ولكنه نوه للموضوع الفلسطيني الإسرائيلي، باعتباره ملفّ الخلاف بين الطرفين، معطياً أهمية خاصةً لهذا الملف، فيما يبدو أنّه تركيز ناجم عن وجود شخصية إسرائيلية على المنصة.
كان الفيصل حريصاً أن ينكر أي صفة رسمية في الندوة، وقال إنه وأميدرور مسؤولين سابقين (exes)، وفي نهاية اللقاء قال الاثنان إنّ اللقاء لا يعني تطبيعاً في العلاقات. ولكن هذا التنويه لا يلغي أنّ لمثل هذا اللقاء معنى سياسيا ما قد يتطور.
تضمن حديث الفيصل شقين؛ الأول، عبّر عن مصالح الدولة السعودية وأمنها القومي. والثاني، موقعها كدولة عربية قيادية. ففيما يتعلق بأمن الدولة السعودية، لم يرفض الفيصل رؤية التشابه في الموقفين الإسرائيلي والسعودي من المسألة الإيرانية، وطبعاً خلافهما مع واشنطن بهذا الشأن.
أما في الشأن الفلسطيني، فأراد الفيصل تأكيد الموقف العربي، وطرح فكرة المبادرة العربية للعام 2002، أي أن يضع الموضوع باعتباره "عربيا-إسرائيليا"، وتوضيح أنه من دون حل الشق الفلسطيني، لا تطبيع. في المقابل، كان مستشار نتنياهو السابق يريد توجيه الأمر ليكون "فلسطينيا-إسرائيليا"، ويجب على الدول العربية التعاون مع الإسرائيليين (لجلب الفلسطينيين للتفاوض). وعمليا، يريد أميدرور أن يصبح العرب عامل ضغط على الفلسطينيين.
لم يقل الفيصل إن التعاون الإسرائيلي العربي إزاء إيران غير ممكن أبداً، ولكنه قال "إنّ التعاون بين الدول العربية وإسرائيل في مواجهة التهديدات، من أي مصدر كان، سواء أكان إيران (أو غيرها)، يتحرك بشكل أفضل إذا كان هناك سلام بين الشعوب العربية وإسرائيل". هذا التصريح يوضح أنّ هناك على الأقل اصطفافا موحدا في الشأن الإيراني، ولكنه لا يرقى للتعاون الفعلي.
وفي الموضوع السوري، تريد السعودية لعب دور فاعل هناك، بينما الإسرائيليون سعداء بالحياد المربح لرؤية سورية تنهار.
عملياً، لا يوجد شيء يمكن أن يشكل مجال تعاون سعودي-إسرائيلي حتى إزاء إيران. وإذا كانت واشنطن ستكون سعيدة ومشجعة لتقارب عربي-إسرائيلي، فإنّ هذا لن يسعدها إذا كان على أرضية معارضة السياسات الأميركية.
الحديث عن التعاون الممكن قد يؤدي فعلا إلى المزيد من السكون والتراجع في الموضوع الفلسطيني. ويجدر لمنع ذلك استغلال فكرة كالتي طرحها الفيصل عن الاختلاف مع واشنطن بشأن المسألة الفلسطينية، للحديث عن ضرورة أن تكون السياسة إزاء فلسطين جزءا من إعادة التفكير المشار إليها، وأن تصبح هناك سياسة عربية نشطة مختلفة لدعم الجانب الفلسطيني، توازي على الأقل التدخلّية السائدة في سورية وغيرها.
عن الغد الاردنية