يعود موضوع سلامة الغذاء هذه الأيام الى الواجهة، وذلك بعد التقارير وبالأخص التقارير المصورة عن اكتشاف كميات متنوعة من الأطعمة الفاسدة، وبالتحديد من الدواجن ومن اللحوم وغيرهما، والضجة والإرباك والقلق الذي انتاب الناس حول ذلك، في ظل انتشار وتصاعد انتشار أمراض مزمنة أو عضال في مجتمعنا الفلسطيني، ومنها أمراض السرطان بأنواعه المختلفة، وهذا بدورة يستدعي اتخاذ خطوات نوعية وجدية، من أهمها تشكيل هيئة فلسطينية فاعلة، بحيث تكون العنوان الأوحد للتعامل مع سلامة الغذاء والدواء والمواد الأخرى التي يعج بها السوق الفلسطيني.
وحسب تقارير منظمة الصحة العالمية، فإن حوالي 2 مليون شخص يموتون سنوياً، بسبب الأغذية الملوثة او الفاسدة، والتي تشمل الماء والغذاء، ومنهم حوالي مليون ونصف المليون من الاطفال الذين يموتون بسبب أمراض الاسهال، الناتجة في غالبيتها عن الطعام الملوث، وحسب المنظمة فأن الأطعمة الفاسدة هي المسبب الرئيسي لحوالي 200 نوع من الامراض المختلفة، سواء بسبب البكتيريا، الفيروسات، الطفيليات، او بسبب تلوثها بالمواد الكيميائية والاشعاعية، حيث يمكن ان يحدث التلوث في المزرعة، او خلال السلسلة التي من خلالها يصل الطعام الى المائدة ومن ثم الى الانسان، والطعام الملوث كيميائيا، يمكن ان يؤدي الى امراض مزمنة او الى تداعيات صحية بعيدة المدى، مثل امراض السرطان، والتغيرات العصبية.
ومن المعروف أن هيئة “إدارة الغذاء والدواء الأميركية “، تعتبر من اكثر الهيئات قوة وسلطة، ليس على صعيد الولايات المتحدة الأميركية فقط، ولكن على صعيد العالم، ولا يمكن لأي منتج دوائي او غذائي، ان يمر وان يجد طريقة الى السوق ومن ثم الى المستهلك، الأميركي او العالمي، قبل ان يمر بإجراءات طويلة ومريرة ومعقدة ومكلفة، وان يجتاز العديد من التجارب والفحوص، قبل ان يصل، وحتى بعد ان يصل الى السوق، ومن المعروف ان رئيس او مفوض الهيئة، يتم ترشيحه من قبل الرئيس الأميركي مباشرة، ولكن يحتاج الى موافقة “ الكونغرس الأميركي” لكي يباشر عمله، وبالتالي فإنه يحظى بالسلطة والقوة والاحترام، في الشارع الاميركي وعند المواطن او عند المستهلك الأميركي، سواء من خلال ما يتعلق بفعالية وأمان الأدوية وبأنواعها، او من خلال ما يتعلق بسلامة وعدم فساد منتجات غذائية وبأنواعها الكثيرة.
وفي بلادنا، فإن الطعام الملوث كيميائيا، قد يصل إلينا من خلال مسارات عديدة، سواء من خلال الغذاء الذي نستهلك، او عن طريق المياه التي نشرب، وعلى سبيل المثال، يمكن ان نتعرض لكميات قليلة من المبيدات الكيميائية في منتجات غذائية او في المياه، هذا بالإضافة الى الازدياد في اتباع أنماط غذائية غير صحية، من حيث استهلاك المواد المصنعة او المجمدة وما تحوية من مضافات كيميائية، او الأطعمة السريعة، والتي تعتبر مؤشرات مقلقة للإصابة بأمراض غير سارية او مزمنة.
وفي بلادنا، ورغم الجهود والخطوات التي قامت وتقوم بها، الجهات الرسمية وغير الرسمية للتعامل مع ظاهرة الأطعمة الفاسدة، وبالتحديد في ظروفنا او في واقعنا الخاص، الا ان هذا الموضوع، ما زال يثير القلق والإرباك والحيرة، عند المواطن الفلسطيني، وبالأخص انه يدرك ان ما يتم اكتشافه او ما يتم الإعلان عن ضبطة وإتلافه، لا يمثل الا الجزء البسيط، من تلك المواد الموجودة في السوق، والذي وبدون شك، جزء لا بأس به، يصل الى المائدة، ومن ثم الى أيادي وبطون المستهلك، وما لذلك من آثار وتداعيات، ان لم نلمسها الآن، فإنه قد يكون لها انعكاسات بعيدة المدى.
حيث وفي ظل مواصلة ضبط ومصادرة مواد فاسدة متعددة، فالمطلوب كذلك هو إجراء عملية تقييم لعمل الجهات العاملة في هذا المجال، وهذا أمر روتيني عادي تقوم به جهات كثيرة وذلك لتقييم عملها ولتبيان النقاط الإيجابية ومن ثم تدعيمها، وكذلك لتبيان السلبيات ومن ثم العمل على تجاوزها، وحتى تتم عملية التقييم، ومن اجل طمأنة المستهلك، فالمطلوب من الجهات الرسمية وغير الرسمية المهتمة بسلامة الغذاء والدواء ولمنع وصول المواد الفاسدة للناس، وضع برنامج منظم ومتكامل من اجل سحب عينات عشوائية، سواء أكانت من الخضار او من الفواكه، او من الدواء، او حتى من الخبز والكعك، والحليب ومشتقاته، وأجراء الفحوص الروتينية لهذه العينات، في مختبرات تم اعتمادها، وتم التأكد ومن خلال مختصين بجاهزيتها، سواء طاقمها او أجهزتها، والاهم كذلك نشر نتائج الفحوص من خلال الإعلام، لكي تصل الى المستهلك.
وبالإضافة الى الأطعمة غير الصالحة، فإن موضوع سلامة الأدوية يضاهي بالأهمية موضوع الأطعمة الفاسدة، حيث تتحدث الأخبار، بين الفينة والأخرى، عن وجود أدوية غير فعالة او مهربة او منتهية الصلاحية في السوق الفلسطينية، وعن وجود مستحضرات تجميل مهربة او غير مسجلة، وبالتالي غير خاضعة للتفتيش والفحوص، وما لهذه الأنباء من تبعات ومن أهمها حالات القلق والإرباك وعدم الوضوح عند المواطن، وكذلك الآثار الصحية والبيئية والاقتصادية المترتبة على ذلك، وهذا يؤكد على أهمية وجود هيئة مستقلة تملك الإمكانيات من كفاءات بشرية ومختبرات وبرامج عمل لحماية المواطن الفلسطيني من الأدوية والمستحضرات الأُخرى والمتداولة في السوق الفلسطينية، والتي قد تكون في أحيان عدة خطيرة.
وفي ظل مواصلة اكتشاف والإعلان عن وجود أطعمة فاسدة، وفي ظل واقع وجود جهات عديدة عندنا، سواء أكانت رسمية او غير رسمية، تعمل او تتدخل في مجال سلامة الطعام والدواء في بلادنا، والذي قد يؤدي في أحيان عديدة الى تضارب او الى غياب التنسيق بين هذه الجهات، او حتى الى مبادلة الاتهامات وتحميل المسؤولية حين يكون هناك أشكال او مشكلة، لذا فإنه من الأحرى المبادرة من أجل إنشاء جسم واحد يضم كافة الجهات العاملة في مواضيع سلامة الطعام والدواء، يعمل على تحديد الأولويات وتوفير الإمكانيات تحت مظلة واحدة، ويكون العنوان الأوحد الذي يلجأ اليه المستهلك والمسؤول والمختص والمواطن.