أن توقد شمعةً خيرٌ لك من أن تلعن الظلام، هذا ما جال بخاطري أثناء توقيع مذكرة التفاهم بين وزارة العمل، الإدارة العامة للتشغيل وبين البنك الوطني، وسيقوم البنك بموجب هذه الاتفاقية بتمويل مشاريع إنتاجية بقيمة 150 ألف دولار بدون أية فوائد، على أن لا يتجاوز التمويل للمشروع الواحد 10 آلاف دولار، وسيتم اختيار المشاريع بناء على إيفائها بمعايير مجالس التشغيل في طولكرم، وجنين، وأريحا، وطوباس، وسلفيت. وتمثل الشركات المتوسطة والصغيرة الغالبية من نسبة الشركات في فلسطين، وتساهم في تشغيل العمالة الفلسطينية، ولكنها في المقابل تواجه العديد من المعيقات التي من شأنها أن تحد من نشاطها ومساهمتها في التنمية الاقتصادية، ومن أهم هذه المعيقات هي الحصول على التمويل اللازم للبدء في المشاريع. وخطوة البنك الوطني هي الأولى في هذا الخصوص، ولكنها غير كافية من أجل الحد من العوائق التي تواجه أصحاب المشاريع ومحاولة النهوض في الاقتصاد إلى المستوى الذي نطمح إليه، فعلى الرغم من وجود السياسات الحكومية والخطط التنموية، ما زالت المؤسسات غير قادرة على تحمل مسؤولياتها، إذ إن مسؤولية التنمية المجتمعية والاقتصادية تقع على كاهل القطاع الخاص أيضا الذي يجب أن يعزز صمود الفئات المهمشة والفقيرة، فقد أصبحت بعض مؤسسات الإقراض مقتلا لكل من يتجه إليها من أجل الدعم في بدء أو تطوير مشروع، وتحولت مؤسسات الإقراض للمشاريع الصغيرة إلى مؤسسات تهدف إلى تحقيق أكبر قدر من الربح على حساب الفائدة المرتفعة التي تثقل كاهل أصحاب المشاريع وتصبح كابوساً يلاحقهم من أجل التسديد، وتم تحويل الهدف من عملية التمويل من الاستثمار التنموي إلى التمويل الاستهلاكي الذي لا يخدم سوى زيادة النزعة الاستهلاكية الاستعراضية التي ازدادت في مجتمعنا الفلسطيني. وهذا يتطلب إعادة تقييم دور جميع المؤسسات، وتطبيق الشفافية والمساءلة في تحقيق المؤسسات أهدافها والرؤية المنصوص عليها، وتحقيق التكامل بين أنشطة مؤسسات القطاع العام والخاص، وان تقوم المؤسسات الأهلية بالمساعدة في التخطيط والإشراف والرقابة والتوجيه، لكن إذا ما غنّى كلٌّ على ليلاه سيكون الخاسر الأول والأخير المواطن الذي أصبح يرى الهجرة حلما آن أوان تحقيقه. إن وزارة العمل وضمن إستراتيجية التشغيل ستقوم بما عليها من مسؤولية وضمن الإمكانيات المتاحة بتقديم الدعم الفني المتمثل بالتدريب وصقل مهارات أصحاب المشاريع من خلال مجالس التشغيل، وتتطلع إلى جميع المؤسسات للانضمام معها من أجل تسهيل وتذليل الصعوبات المترافقة لبدء المشاريع، حيث يعتبر دعم المشاريع المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر من أهم التدخلات التي تقوم بها الدول النامية وحتى الصناعية من أجل تحفيز التكامل مع القطاعات الأخرى، ومكافحة آفة البطالة التي تتزايد ليس فقط عند الدول العربية، وإنما على الصعيد العالمي مثل ايطاليا، اسبانيا، فرنسا وحتى الولايات المتحدة الأميركية. قد ينظر البعض إلى هذه الخطوة بعين المتشائم نظرا لضآلة المبلغ، وأُبصرها بتفاؤل المتيقن بأن بذور الأمل لن تنمو فقط بل وستزدهر، لقد آن الأوان من أجل اللحاق بركب الدول، ونستفيد من التجارب العملية في إطار دعمها للمشاريع المتوسطة والصغيرة التي أدركت أن عملية التنمية الاقتصادية تتطلب دمج الفئات المهمشة وتقديم التسهيلات وتشجيع أصحاب المشاريع وذوي الريادة. نحن أيضاً لا نختلف عن هذه الدول ولا تنقصنا الأدوات ولكننا بحاجة إلى الإرادة التي تجلت بهذه الخطوة الريادية التي قام بها البنك الوطني، من مقالي هذا سأوجه دعوة إلى جميع مؤسسات القطاع الخاص لتحذو حذو البنك الوطني، وأن نخرج من الإطار النظري في التخطيط إلى الإطار العملي والتنفيذ على أرض الواقع من اجل دعم الفئات المهمشة والفقيرة، وتحفيز التنمية الاقتصادية.