في ساعات المساء الأولى من يوم الجمعة الماضي، كانت ترشيحا تعوم جذلى على بحيرة من الفنّ الراقي الملتزم، وترقص على شاطئ من الموسيقى الحريريّة التي تنعش بنسائمها المخمليّة ليالي الصيف، فتتحوّل الحرارة القاسية إلى نعومة لؤلؤيّة، في ساحة البلد الكبرى وتحت أضواء رومانسيّة حالمة بفلسطين، تجمّع أهل ترشيحا وكثير من ضيوفها ليعيشوا معها أجواء منقطعًا نظيرها في الفنّ الراقي الذي يتألّق بسحر الكلمة وعذوبة اللحن وعظمة الإبداع.
التقت موسيقى وألحان الدكتور تيسير حدّاد مع كلمات محمود درويش وسميح القاسم وعزّ الدين المناصرة وأداء عصبة من الفنّانين الواعدين الكبار، حيث صدحت أصوات الفنّان شادي دكور من ترشيحا والفنّانة ماريّا جبران من كفر كنّا والفنّانة نور دراوشة من إكسال، التقت أصواتهم لتكوّن أوركسترا متآلفة الروح متناسقة الأداء منسجمة في عطاء قلوبها.
وقف الدكتور تيسير حدّاد بقامة وهيبة يشعّ من بين عيونه الفرح كما يشعّ من بين أصابعه النغم الصافي، وأمام ما يزيد عن أربعة آلاف مشارك جاءوا من كافّة المدن والقرى العربيّة، رحّب وشكر وهنّأ مؤسّسة "محمود درويش" للإبداع والثقافة في كفر ياسيف على مجهودها في رعاية هذه الأمسية ذات العرض الغنائيّ والفنيّ، الذي لم تشهد مثله قرانا العربيّة من قبل، كما وقدّم شكره الخاصّ لمدير المؤسّسة الكاتب عصام خوري على دوره المميّز في العمل الدؤوب لإنجاز مثل هذه العروض التي سيكون لها حضور في الداخل والخارج لأهمّيتها وفنيّتها، كما شكر د. حدّاد مؤسّسة "كاترين" للموسيقى على مساهمتها الجليلة في نفس السياق من نشر للكلمة الوطنيّة والنغم الجميل والصوت الرقيق.
رسمت الفنّانة سيسيل كاحلي لوحتها أثناء العرض الغنائيّ فانسجم اللون والريشة مع الكمان والقوس، مع العود والوتر، كلّ ذلك مع "سلوت" الفنّان مارون خوري، الذي زاد العرض روعة وجلالًا، فقد عزف مقطوعة من الموسيقى الغربيّة، شابتها همسات شرقيّة ناعمة، تآلفت الفنون جميعًا في مهرجان "أوتارشيحا" وأدّت رسالتها الوطنيّة والحضاريّة والإنسانيّة.
افتتح المايسترو د. تيسير حدّاد مهرجان "أوتارشيحا" مع الأوركسترا التابعة للكونسرفتوار البلديّ "كاترين" في ترشيحا بمقطوعة موسيقيّة رائعة، وغنّى الفنّانون: شادي دكور وماريّا جبران ونور دراوشة على حدة أحيانًا ومجتمعين أحيانًا أخرى مجموعة من الأغاني الجديدة التي لحّنها د. حدّاد خصّيصًا لهذا المهرجان، ومنها "سأحلم"، "اعتذار"، "فكّر بغيرك"، "في البال أغنية" و "على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة" وكلّها من أشعار الشاعر الفلسطينيّ الكبير محمود درويش.
وقد غنّوا أيضًا من شعر الشاعر الكبير سميح القاسم قصيدة "منتصب القامة" و"شدّوا الهمّة" من شعر وألحان مارسيل خليفة و "عصفور طلّ من الشبّاك" من ألحان مارسيل وغناء أميمة الخليل، وأغنية "إنّي اخترتك يا وطني" للشاعر الفلسطينيّ عزّ الدين المناصرة. وانتهى العرض على فرح في القلوب وعلى ابتهاج في الأرواح وعلى أمل بعذوبة ولقاء جديد في المستقبل.