يحل علينا شهر رمضان شهر الخير والبركة، شهر الإحسان والصدقة، شهر الألفة والمحبة، حيث تجتمع العائلة حول المائدة يتسامرن في انتظار آذان المغرب، لكن هناك من يستقبل هذا الشهر بألم وأسى لفقدان أحد أفراد العائلة، وهناك من ينتظر غائباً ليعود، وهناك من ينظر لمائدته الفارغة التي لا تحوي سوى كسرة خبز تكاد لا تكفي لسد جوع أطفاله.
سليم شاب في أول العشرينات من عمره، لكن من يراه يظن أنه قد تجاوز الأربعين، فقد حمل المسؤولية والمعاناة مبكراً، فهو أكبر أفراد عائلته المكونة من ثلاث بنات وولدين صغيرين وأمه المقعدة، حيث فقد منزله ووالده في العدوان الأخير على قطاع غزة، وأصيبت والدته بجروح أقعدتها ضريرة مما جعله يتحمل مسؤولية هذه العائلة ويصبح أباً لها .
يقول سليم: "لقد عملت في كل شيء محاولاً قدر الإمكان توفير احتياجات أسرتي، إلا أنني لم أستطع بسبب أجرتي المتدنية"، مضيفاً أنه ذهب إلى كل المؤسسات المعنية، لكنه لم يجد منهم سوى الوعود التي لم يرَ منها شيئاً.
وأوضح أنه يستقبل شهر رمضان بشكل سيء للغاية، حيث يقطن هو وعائلته في أحد الكرفانات لا طعام ولا شراب فلا يتناولون سوى الإفطار الذي لا يحتوي في بعض الأحيان على الخبز والماء، و أحياناً أخرى يرسل لهم الجيران بعض الطعام .
أما أبو محمد فهو رب أسرة مكونة من خمسة أطفال، يسكن هو وأطفاله وزوجته في غرفة واحدة، ووضعه المادي متدهور، حيث لا دخل له سوى المساعدات والمعونات الحكومية.
كان أبو محمد عاملاً في البناء، لكنه أصيب العام الماضي مما اضطره أن يبحث عن بديل، إلا أنه بسبب إصابته لم يجد أي عمل آخر ، عندها لجأ إلى المساعدات التي تقدمها الحكومة والأونروا.
ويقول أبو محمد: "أحد أطفالي يعاني من مرض السرطان، حيث نذهب إلى المشفى بشكل دائم، وهو بحاجة إلى تحويلة طبية سريعة، لكننا لم نستطع إلى هذه اللحظة الحصول على الموافقة من المسؤولين، بحجة المنع من الاحتلال".
ويشير أبو محمد إلى أنه لم يستطع توفير الاحتياجات الرمضانية البسيطة هذا العام لعائلته، مضيفاً: "لولا فاعلي الخير لما وجد ما يقدمه لأطفاله في هذا الشهر الفضيل".
وهذه الحاجة أم أحمد تستقبل شهر رمضان بدموع الألم والاشتياق، على ابنها خالد الذي استشهد في الانتفاضة الأولى عام 1988، وابنها الآخر محمد الذي قضى سنين عمره في سجون الاحتلال، فقد اعتقل وهو في سن 18 عاماً وحكم عليه 12 عاماً، ولم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بذلك فقد اعتقل ابنها الأصغر عام 2003 وحكم عليه مدى الحياة بتهمة قتل مستوطنين.
تقول الحاجة أم أحمد ودموعها تسبق كلماتها، "بالرغم من وجود أبنائي الآخرين وأحفادي حولي، إلا أنني أشعر بغصة حين لا أجدهم جميعاً جانبي، أفتقدهم في كل دقيقة وأفتقد البهجة في كل المناسبات، حيث أنه بدونهم سعادتي غائبة.
في حين تقول لينا، تلك الشابة التي فقدت والدها، "لم يعد لرمضان الطعم الجميل الذي كان يمتاز به سابقاً، ما أشعره فقط هو الألم والحزن، حيث فقدت والدي العزيز في هذا الشهر".
وتضيف: "أتمنى من الله عز وجل أشياءً كثيرة، الرحمة والمغفرة والعتق من النار لأبي الغالي، وأن نجتمع مع أحبابنا في جنان النعيم".
وتصف أم غسان شعور الحزن والأسى، حيث استقبلت شهر رمضان بشكل عادي كأي شهر من شهور السنة، وذلك لفقدان هذا الشهر الشعور الجميل التي كانت تشعر به سابقاً، لأنه يذكرها بزوجها الذي فقدته منذ عدة سنوات.
شهر رمضان كغيره من المناسبات التي قد تفتح بعض الجروح على أولئك الذين زادت عليهم الحياة بعضاً من أثقالها، لكن الله عز وجل جعل شهر رمضان شهر صدقة ومحبة ووحدة بين الناس أجمع.
رمضان يحل هذا العام، ولا تزال الأرض تنادي بدماء الشهداء، والأوطان تتألم لعذابات الأسرى، في سبيل العزة والكرامة والتحرير، قرباناً للمولى القادر على أن يعيد الحقوق المسلوبة، فذوي الشهداء الذين تجرعوا مرارة الفراق، والأسرى الذين احتسوا كأس القهر، يستقبلون شهر رمضان المبارك بالصبر والاحتساب.