عودة عربية إلى فلسطين

thumbgen (24)
حجم الخط
 

بدأت القضية الفلسطينية بالرجوع تدريجياً إلى سلم الأولويات العربية مع عودتها إلى المنابر الدبلوماسية، سواء عبر إبداء الدعم المطلق لها، أو عبر الإدانة الشديدة لممارسات الكيان الصهيوني. وبعد توقف دام سنوات، جاءت زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى رام الله، ولقاؤه القيادة الفلسطينية جزءاً من هذا الحراك العربي الطارئ.
يرتبط رجوع الدبلوماسية العربية إلى فلسطين بالتحضيرات للقمة العربية المقررة في موريتانيا هذا الصيف، وباستكمال بحث المبادرة الفرنسية للسلام، في حين أن القلق يتعاظم عربياً وإقليمياً ودولياً على الوضع الفلسطيني الذي لم يعد يحتمل مزيداً من التهميش في ظل ما تقوم به حكومة الاحتلال من إجراءات دمرت كل فرص العودة إلى المفاوضات، وخلقت أجواء توتر واحتقان قد تنفجر في الأراضي المحتلة في أية لحظة. فقد كانت الأشهر الأخيرة حبلى بالاستفزازات والانتهاكات التي فاقت كل الحدود، لا سيما في القدس الشريف، حيث يشهد المسجد الأقصى اقتحامات وعمليات إغلاق واعتداءات على المصلين لم ترعَ حرمة شهر رمضان الكريم. ولأسباب ما قد لا تندلع ردود الفعل الفلسطينية لوقف هذه العربدة الإجرامية، ولكن كل ما يرتكبه جنود الاحتلال ومستوطنوه ستحتفظ به الذاكرة الفلسطينية، ولن ينسى، وسيتم اسحضاره حين تحين الساعة.

لقد اندلعت انتفاضة الأقصى عام 2000 بسبب تدنيس أرييل شارون الحرم القدسي، وعندما تصاعدت الأحداث إثر استشهاد الطفل محمد الدرة في جريمة دوّت في أرجاء العالم، استحضر الفلسطينيون كل الجراحات التي سببتها السياسات الصهيونية في الأراضي المحتلة وتضييقها على السلطة الوطنية بزعامة الشهيد الراحل ياسر عرفات. وعكس التوقعات التي سادت بعد توقيع اتفاقية أوسلو، انتفض «شعب الجبارين» عندما بلغ منه الأذى كل مبلغ، وهو مستعد للثورة حين يقتضي الواجب الوطني ذلك.
النفس الأغلب على الشعب الفلسطيني يميل الآن إلى إنهاء الصراع مع الاحتلال الصهيوني عبر المفاوضات وفق الأسس التي نصت عليها الشرعية الدولية، ولكن سياسات الاحتلال، خصوصاً ممارسات الحكومة المتطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو تريد أن تحيل ذلك الميل إلى خيبة أمل من خلال إصرارها على رفض كل المبادرات، وتحديها للتوجهات الدولية لدفع العملية التفاوضية، خصوصاً في هذه المرحلة التي تنشغل فيها الولايات المتحدة، الراعي الأول، بالانتخابات الرئاسية، وتصوم فيه دبلوماسيتها عن «مبادرات السلام» في انتظار أن يأتي الرئيس الجديد محملاً بوعود كاذبة، مثل العمل على إقامة دولة فلسطينية، وهي عادة دأب عليها الرؤساء الأمريكيون منذ جورج بوش الأب، إلى باراك أوباما. ولهذا السبب، وغيره فقدت السياسة الأمريكية مصداقيتها، ولم تعد ذلك الوسيط الموثوق، وهو ما يجعل من التحرك الفلسطيني والعربي من دون الارتهان إلى إرادة واشنطن مشروعاً، بل وتفرضه التحولات الدولية والإقليمية، فالولايات المتحدة لم تعد اللاعب الوحيد في الشرق الأوسط، والدول العربية تعلمت كثيراً من الدروس في السنوات الخمس الأخيرة، وهذه التطورات ستكون مفيدة للقضية الفلسطينية، وللسلام في الشرق الأوسط، إذا كانت هناك بالفعل إرادة للتحرك بهذا الاتجاه.
عن الخليج الاماراتية