أعادني مسلسل رمضان هذا العام، من بطولة وإشراف النجم عادل إمام إلى مسلسلاته الرمضانية السابقة، لأتساءل بعمق أكثر عن الجدوى الثقافية والفنية من وراء هكذا عمل درامي.
وهو بشهرته الكبيرة، وبالثلاثين ساعة التي يقضيها مشاهدون/ات من شعبنا العربي، يدفعنا للتساؤل حول إصراره على توجهاته الفنية في الميلودراما، رغم أن الجمهور اليوم لا يتفق عليه، ولا على رامز، وآخرين ممن يهبطوا بالفكر والشعور من خلال الفن.
ترى ما الذي يدفعه لذلك؟
فكرة المسلسل وأحداثه متكلفة غير جذابة، استدعت واستلزمت كوميديا من جنسها فيها التصنع والابتعاد عن كل ما له علاقة بالصدق الفني.
وما زال حتى اللحظة، في آخر المسلسل غير قادر على الارتقاء بعمله الدرامي، بل إنه يخرج من سخف لدخل سخفا آخر، مستهترا بذائقة وثقافة المشاهدين، ومكررا إساءته لتاريخه الفني.
في كل حلقة، ألقي على نفسي أسئلة موجعة، أكثرها الأسئلة التي تبدأ ب: لماذا؟
مأمون وشركاه، للأسف فإن نظير ذلك هو الشراكة في هذا السخف الفني، والانتقاص من أقدار المواطنين/ات، عبر تقديم دراما بعيدة عن الحياة النفسية والحياة الاجتماعية للشعب المصري والعربي بشكل عام.
إن الحاجة الفنية أبدا لا تبرر تقديم مثل هذه الشخصية المتطرفة في البخل، فمن عايش الشعب المصري لا يجد أن ذلك ينطبق لا من قريب ولا من بعيد منه. كما أنه ليس من المبرر أصلا أن تصل نتيجة البخل إلى تجميع مبلغ ضخم كهذا، وقد كان بالإمكان جعل ذلك معتدلا، إلا إذا رغب الكاتب والممثل بمحاكاة علي بابا!
كما أن ردود الفعل تجاه هذا الكشف إنما جاءت لتؤكد على ما مضينا به، خصوصا في التعبير عن تلقي وسائل الإعلام لهذا الكشف.
يتكلف المسلسل تجميع ما لا ضرورة له؛ فلم يكن هناك ضرورة للعب في مسألة الأديان، لأن الفكرة هي كشف طبيعة بخيل كنز مالا، وليس القضية فكرية أو سياسية.
تكلف عرض الأديان كان على النحو:
- كان بالإمكان تقديم زوجة ابنه الأجنبية المسيحية، دون التطرق لمسألة الدين، لأن ذلك هو أمر طبيعي ويتم قبوله عربيا ومصريا.
- كما لم يكن من الضرورة تقديم زوجة ابنه الثاني كيهودية، فإن تم ذلك فهو مقبول وليس فيه ما يثير كل هذا الضجة، إلا إذا كان السبب هو التأكيد على نمطية بلهاء، من خلال العزف على ما يفترض من مشاعر وأفكار لدى المشاهدين العرب.
- كما لم يكن مقبولا إقحام الإسلام السياسي عبر زوج ابنته، ليحاول تنشيط صراع درامي، حيث أن الاصطدام بين الاسلام السياسي كان من النظم وليس مع الأديان.
- إن تجميع الأديان الثلاثة في فيلا مأمون، ليس له ي مسوغ، وبالتالي فإن ردود الفعل التي ظهرت بدا عليها التكلف، في ظل كوميديا ممجوجة تثير السأم.
لذلك فإن إيحاءه بأن هناك رمزية ما حول الشركاء في الفيلا، الوطن-العالم، هو أبضا إيحاء متكلف، مصنوع؛ فقد عاش الشعب العربي في ظل تنوعه الديني ببساطة بدون تكلف. ثم عن أي تعايش يتحدث، إذا كان جزءا ممن يعيشون في الفيلا هم أصلا ضيوف عليه وعلى مصر؟
فليس متقبلا أن يثير المسلسل هذه التناقضات، وصولا إلى النفي والجريمة، كما أن تقديم الإسلام السياسي أيضا فيه تجاوز للمعقول، فالاختلاف الفكري لا يعني التشويه.
للأسف ليست هذه هي المرة الأولى التي يتواطأ فيها الكاتب يوسف معاطي مع عادل إمام، والذي جاء بابنه رامي، ليخرج هذا السخف.
ولنا أن نلوم فنانين وفنانات مثل مصطفى فهمي وكمال أبو رية ولبلبة وعلاء مرسي على قبول هذه الشراكة في الهبوط.
وهنا لعلي ومعي كثيرون، ونحن نحتار في هكذا دراما، نتساءل عن الأسباب ما الذي يدفع بأكبر نجم عربي إلى هذا السلوك؟ ما هي الجدوى الثقافية والفنية؟
ربما تكون الإجابة لدى الفنان الكبير عادل إمام وطاقمه، لكن يمكننا تفسير ذلك، فكريا وثقافيا، عبر تذكر جزء من تاريخه الفني الشعبوي، في أفلامه ومسرحياته ومسلسلات الميلودراما.
عادل إمام هو جزء فني وثقافي من نظم فكرية تبتعد عن الرقي الفكري، وتصنع من نفسها أدوات تجميلية للواقع.
بل هو في مرحلة أصعب، حتى الواقع الحقيقي يتفوق عليه، فهو لا يكرس الواقع بل ينتقي منه ما يظن أن ذلك يجذب الجمهور.
سيهمله التاريخ الفني، هذا هو مصير كل عمل فني لا ينطلق من الصدق الفني، ويستهتر بالمستوى الثقافي للجمهور.
إن الجمهور الشعبوي الساذج هو موجود فقط في رأس طاقم المسلسل وفي مقدمتهم جميعا الفنان الكبير عادل إمام.
إنه جمهور عادل إمام الافتراضي لا الحقيقي.
ولا نجد في ذلك دهشة أو مفاجأة، حيث إنما يأتي هذا السخف وهذه الركاكة في ظل تاريخه الفني غبر عدة عقود.
المكتوب من عنوانه، ورغم ما يحمله المقال من حكم على العمل الفني والثقافي-القيمي الفكري، إلا إنني أثق بذائقة الجمهور وفكره في الحكم، وأزعم أنني استمعت لآراء عدة شرائح اجتماعية وثقافية، فلم أجد من قيّم المسلسل إيجابيا، بل هناك من استهجن أن يقوم نجم كبير كعادل إمام بإنتاج مثل هذه الأعمال الفنية الساذجة.
وإنني رغم ما ذهبت إليه ما زلت أتساءل لم يحدث هذا في عالمنا العربي؟ لم يهبط الفن في بلادنا؟ لم يحدث ذلك ونحن في حاجة للارتقاء به وبنا، من أجل عودة الوعي، والتسريع بعودة الفكر والوعي والنقد؟
ما الهدف؟ ما الرسالة؟
لا أحد يكره الكوميديا، فكلنا نحبها، ولكن عن أي كوميديا؟
وكيف لنا أن نتكلم في حضرة كبار الفنانين العرب؟
ترى هل من تفسير لهذا الهبوط؟
أسئلة موجعة، ربما تكون إجاباتها تتعلق بما هو ذاتي وشخصي لدى النجم الكبير، وليس ما له علاقة بالموضوعية والمستوى الفني المقبول.
لسنا كذلك، ولا أظننا بحاجة لدراما تضيع وقت الجمهور، وتثير سأمه. نحن الشعب العربي نستحق ما هو أفضل في الفن والثقافة والإعلام والإدارة والحكم.