أربعة أو خمسة أحداث شهدها العالم في الأسبوعين الأخيرين سيكون لها تأثير مباشر على المحنة التي يتخبط فيها الشرق الأوسط، وخصوصا الدول العربية التي تجري تصفيات الحسابات الدولية والإقليمية على أرضها وبواسطة أبنائها. منها: الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، وقبله بأيام ما تردد عن مصالحة أنقرة مع موسكو وإسرائيل، والعمليات الإرهابية التي تعرضت لها بعض المدن الأوروبية، وزيارة وزير خارجية مصر لإسرائيل وما تردد عن خطة مصرية لتحريك عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ولا ننسى فوز «ترامب» بترشيح الحزب الجمهوري الأميركي له للرئاسة الأميركية.
كل من هذه الأحداث وغيرها أقل أهمية في نظرنا، جاءت لتدفع بأزمة الشرق الأوسط نحو مرحلة جديدة من التأزم والتعقيد، بل والضياع المصيري.
ولنبدأ بتركيا «ما بعد الانقلاب الفاشل» إنها مرحلة جديدة يخوض غمارها الرئيس إردوغان، ومن الطبيعي أن تتأثر سياسته الداخلية والخارجية الجديدة بما حدث. والسؤال المطروح: هل سيبقى على موقفه من النظام السوري وهل يغير موقفه من مصر، وخصومته للمعارضة الكردية وموقفه المحير من إيران، وتأرجحه بين موسكو وواشنطن؟ أم أن تغييرا ما بات يفرض نفسه؟
أما امتداد الحرب اللامتوازية بين «داعش» والحلف الدولي المتصدي له من شمالي العراق وسوريا إلى المدن الأوروبية، فمن المنتظر أن تتخذ الدول الغربية موقفا جديدا لقمعه، وبالانتظار يدفع العرب والمسلمون العائشون في الغرب - ويقدر عددهم بالملايين - ثمنه من حقوقهم وحريتهم وكرامتهم ورزقهم.
وأما ترشيح الجمهوريين لترامب واحتمال وصوله إلى البيت الأبيض، وقد يصبح مرجحا إذا استمرت عمليات الإرهاب في ضرب المدن الغربية، فإنه «زيت» إضافي يصبّ على نيران القتال الدائر في الشرق الأوسط، من شأنه تحويل الحروب الصغيرة إلى مجابهة شاملة بين العالم العربي - الإسلامي والغرب الأوروبي - الأميركي، إن لم يكن إلى حرب عالمية جديدة.
بعد تطور ما سمي الربيع العربي من انتفاضات شعبية تطالب بمزيد من الحريات والإصلاحات، إلى نزاعات طائفية ومذهبية وعرقية، وحروب أهلية فتتت الدول والمجتمعات العربية في سوريا والعراق واليمن وليبيا، وإلى تدخل عسكري أجنبي ومنازعات إقليمية، تبدو ملامح المصير الذي ينتظر هذه المنطقة غامضة. فهل تتحرك الدول الكبرى وتفرض على المتقاتلين حلولا سياسية توقف التقاتل وتعيد إلى المنطقة السلام والاستقرار؟ أم أنها، ولأسباب ومبررات منها ما هو مقبول، وأخرى مشكوك في النيات المخبأة وراءها، سوف تكتفي بمحاربة «داعش» من الجو، وتشديد مراقبة الإرهابيين في داخلها؟ وهل سيخفف «داعش» من عملياته الإرهابية في الغرب ليخفف من غضبه عليه وعزمه على محاربته والقضاء عليه؟ أم أن مصلحة بعض الدول الكبرى، إنما هي في استمرار هذه الحروب الداخلية العربية والإسلامية؟ فلا تبقى إسرائيل المستفيدة الكبرى منه؟
بعد هذه الأحداث الأخيرة يرجح بعض المراقبين حصول اختراقات في الحلقة المفرغة التي تدور فيها المنطقة، ولا سيما في الموقف التركي، وفي التنسيق بين واشنطن وموسكو، كما يرجح آخرون بقاء الأمور متراوحة، كما هي الآن حتى معرفة من هو الرئيس الأميركي الجديد.
ولكن أيا كانت الأحداث والاستراتيجيات الجديدة، فإن الراهن هو أن هذه النزاعات والحروب الأهلية، لم تعد مسألة عربية أو إسلامية، بل تحولت إلى نزاعات إقليمية ودولية، وربما تؤدي إلى كوارث لا يحمد عقباها على العالم أجمع.
عن الشرق الاوسط