لقد تغيّرت قواعد اللعبة

طلال عوكل
حجم الخط

في ضوء الاضطراب المناخي الذي يضرب أنحاء مختلفة من العالم، خصوصاً منطقة الشرق الأوسط، ولا نقصد فقط المنطقة العربية لم يعد مستغرباً أن تتجمع الغيوم السوداء فوق أجزاء من الأرض الفلسطينية، وقد تمطر حمماً من صنع البشر قبل حلول فصل الشتاء القادم. أهل غزة المرشحة للتعرض لمثل هذا النوع من المطر الأسود الذي تعودوا على سقوطه، يتساءلون كل الوقت وبقلق شديد عن موعد العدوان القادم، فهم يتفقون مع وزير الدفاع الإسرائيلي المتطرف أفيغدور ليبرمان من أن المواجهة قادمة لا محالة. أهل غزة لم يرمموا بعد بقايا بيوتهم المدمرة ولا يستبعد الكثيرون منهم أن يعودوا مرة رابعة، لبناء ما قد أنجزوه لكنهم محكومون للقدر.
غير أن الجولة القادمة من العدوان، والتي تلوح في الأفق، قد لا تحدث فرقاً جوهرياً إزاء حال عام، تضربه كل أنواع المرض، من الحصار والإغلاق المحكم، إلى أزمة مياه الشرب، وأزمة الكهرباء، إلى استشراء الأمراض المزمنة بلا علاج أو دواء، وبطالة تستبيح أجيالاً متلاحقة من الشباب، وانقسام مدمر لا أفق واضحاً لانتهائه، وأحلام أخذت تتلاشى حتى الصغيرة منها. على غرار المثل القائل «يا قرد بدي أسخطك فقال ها هي .... حمراء». نذر الغيوم السوداء بدأت تتلاحق ليس فقط على المستوى الإسرائيلي، الذي بدأ يغير قواعد اللعبة، استناداً لمعطيات المحيط، إذ لم يعد استمرار الانقسام الفلسطيني هو الذخر الاستراتيجي الذي تحدث عنه شمعون بيريس حين وقع الانقسام. خلال سنوات الانقسام الطويلة، نجحت إسرائيل في خلق عقبات صعبة من شأنها أن تحصر أية محاولة لاستعادة الوحدة الفلسطينية، في إطار مؤسساتي فوقي. لقد جعلت هذه الوقائع إسرائيل في موقع من يتحكم بقوة في مستوى ونوع وشكل العلاقة بين قطاع غزة والضفة الغربية، الأمر الذي يجعل سيطرة حركة حماس على غزة، يفقد الأهمية والضرورة بالنسبة لإسرائيل. لغة ومفردات واحدة تسمعها من عديد المسؤولين في إسرائيل، فهذا رئيس جهاز «الشاباك» سابقاً، يقول إن غزة تشكل تهديداً لأمن إسرائيل ولا بد من إزالته. قبله لم يتوقف ليبرمان عن إعلان عزمه على التخلص من سيطرة حماس على القطاع، وهو قد تبنى هذا الهدف، منذ ائتلافه الأول مع الليكود.
نتنياهو ذاته، وخلال زيارة تفقدية لبعض مستوطنات غلاف غزة، صرح بأن أي اخلال بالهدوء سيؤدي إلى تدمير حركة حماس. أما في آخر هذه الأخبار يلفت النظر أن مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة داني دانون قد اصطحب أحد عشر دبلوماسياً في جولة على حدود قطاع غزة، وأجرى لقاءات في مستوطنتي «نحال عوز» و»سديروت» في محاولة لتحضير المناخ الدولي للعدوان القادم.
في اطار الإشارة لما أرادت إسرائيل تحقيقه من الانقسام، فإن التغيرات التي شهدتها مصر خلال السنوات الأخيرة، قد أقفل الباب بشدة على مسألة دفع قطاع غزة بما ومن فيه باتجاه مصر، وبعيداً عن الضفة الغربية. وحتى لو افترضنا أن مخطط إسرائيل لدفع قطاع غزة باتجاه التوسع في سيناء، فإن مثل هذا الأمر لا يمكن ان يحصل في ظل سيطرة حماس على القطاع التي تشهد علاقاتها توتراً كبيراً مع مصر، وبالإضافة إلى ذلك فإن الوهم الإسرائيلي بشأن قيام دولة غزة قد تبدد نهائياً.
لا يهم إسرائيل ما إذا كانت حركة حماس تعاني أم لا من اضطراب في علاقاتها مع الجوار العربي والإقليمي، فهي قد شنت ثلاثة عدوانات كبيرة على القطاع، حتى حين كانت علاقات حماس أفضل، غير أن وضع حركة حماس مع المحيط يشجع إسرائيل على ارتكاب المزيد من الجرائم البشعة بدون أن تتوقع ردود فعل سلبية أو مؤثرة إزاء ما تنوي فعله.
الحسبة السياسية تفيد أن على حركة حماس أن تدفع ثمن العلاقات الواعدة مع المحيط العربي، انسجاماً مع ما أخذ يظهر على سطح السياسة العربية من أن الخطر الإيراني يتقدم الأولويات حتى على القضية الفلسطينية. العرب المترددون في إعلان وتوسيع علاقاتهم بإسرائيل يحتاجون إلى غطاء فلسطيني عنوانه تحريك عملية السلام استناداً لما يطرح في السوق، فهناك مبادرة فرنسية دولية، وهناك مبادرة السلام العربية، وهناك ما يعتبره نتنياهو مبادرة إقليمية.
المجتمع الدولي يظهر جدية واضحة وإصرارا على متابعة المبادرة الفرنسية، وقد لاحظنا الانتقادات غير المسبوقة التي صدرت عن عديد العواصم الدولية المهمة من واشنطن إلى لندن وباريس ومدريد وبروكسل... رداً على الإعلانات الإسرائيلية الأخيرة بشأن توسيع الاستيطان، لم تصدر مثل هذه التصريحات وبهذه اللهجة الحادة، حين كانت الإعلانات الاستيطانية أضخم، ما يعني أن المجتمع الدولي أراد أن يرسل لإسرائيل رسالة قوية بشأن التحرك نحو استئناف المفاوضات، وتنشيط عملية التسوية.
هنا مربط الفرس، حيث باتت الحسابات الدولية والإقليمية تقتضي إزالة المعارضة القوية التي تمثلها حركة حماس، ما يعني أن قرار شطبها عن خارطة الفعل السياسي النشط، قد أصبح قراراً دولياً وعربياً وإسرائيلياً تماماً كما حصل وإن بشكل غير معلن مع قرار إزاحة الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات. والحقيقة أنه بعد استنزاف كل هذا الوقت على الانقسام لم يعد ثمة وقت للمعالجة بما يوفر على الشعب الفلسطيني وقواه كل هذا الثمن الباهظ.