قراءة في تقرير: أزمة إسرائيل الفلسطينية !!

هاني حبيب
حجم الخط

السلطة الوطنية الفلسطينية تشكل مأزقاً سياسياً خطيراً للسياسة الإسرائيلية، قد تتمكن الدولة العبرية من التعاطي مع الحصار السياسي الدولي المتزايد لها، إضافة إلى الإجراءات والعقوبات ذات الأبعاد الاقتصادية والثقافية لهذا الحصار، إلاّ أن المأزق الإسرائيلي يتجلّى بكيفية التعامل مع الوضع الفلسطيني، هذا ما أشار إليه تقرير صادر عن مركز «بيغن ـ السادات» مؤخراً [موقع أطلس للدراسات] الذي يشير إلى عناصر هذا المأزق المرتبط بعجز دولة الاحتلال عن التعامل مع المسألة الفلسطينية، تقرير قصير جداً، لكن لا يمكن شطب أو الاستعاضة عن أي كلمة أو جملة فيه، وما نشر هو ملخص للتقرير وأعتقد أنه يتوجب البحث عن التقرير الشامل، وأعتقد أنه من الأهمية بمكان لكي يصبح مجالاً للنقاش والحوار، والأهم، بناء واتخاذ القرارات والسياسات من قبل القيادة الفلسطينية.
يرتكز التقرير على حقيقة مؤكدة، اتخذتها الدولة العبرية منذ سنوات التفاوض عبر مدريد ـ أوسلو، عبّر عنها بن غوريون وتبناها: «إمضاء الوقت في بناء دولة إسرائيل كدولة كبرى، قوية متماسكة حتى تجبر الأعداء على التخلي عن سياساتهم ومواقفهم ضدها»، وفي شرح هذا النهج، فإن ترك الآخرين في سياق الانتظار والترقب لمتغيرات إقليمية ودولية، يسهل وقوعهم بالأخطاء، ما يمنح إسرائيل الحرية في اختيار بيئة أكثر ملاءمة لاستهدافاتها وسياستها.
لكن هناك حلاً مطروحاً، وهو حل الدولتين، جرت مفاوضات حثيثة ومستمرة بشأنه، من دون أن يوضع عملياً على جدول الأعمال، هذا الحل أخذ يتحوّل إلى مأزق سياسي إسرائيلي، تمسك إسرائيل بالاعتراف بيهودية الدولة العبرية من قبل الجانب الفلسطيني، مقابل تمسك الفلسطينيين بحق العودة، أحال هذا الحل إلى مأزق باتت إسرائيل تدرك أن عليها تجاوزه، لكن هل بإمكانها أن تعلن علناً وبشكل واضح عن أنها تراجعت أو تجاوزت هذا الحل؟ إذ أن مثل هذا الأمر، قد يؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية، هل من مصلحة لإسرائيل في ذلك؟!
انهيار السلطة الفلسطينية، سيؤدي وبالضرورة إلى استدعاء تدخل دولي، هل إسرائيل في موقف يمكن السياسة الدولية التدخل بهذا الشأن، وعلى إسرائيل أن تدرس بدقة إمكانيات التوازن بين ما تقدمه السلطة من ترتيبات ذات طبيعة أمنية تستفيد منها إسرائيل، وبين قيام السلطة بالتحريض والتعبئة ضد إسرائيل، بما يضمن الإبقاء على عناصر الصراع، ويحول دون توفير الظروف أمام «قيادة فلسطينية بديلة أكثر واقعية»!
وإذا كان انهيار السلطة الفلسطينية، غير مفيد للدولة العبرية، إلاّ أنه وبالمقابل فإن الإبقاء على خيار «حل الدولتين» من شأنه أن يقف حاجزاً وبين حلول أخرى، أكثر واقعية، ويمنع من التفكير بحلول مبدعة، ومن الصعب إيجاد قاسم متوازن وخيار مفضل بين خيارين صعبين، التخلي عن حل الدولتين، والحاجة إلى عدم انهيار السلطة الفلسطينية!
لقد حاولت إسرائيل، إيجاد شكل من أشكال هذا التوازن من خلال سياستها المتبعة «العصا والجزرة» وفي هذا السياق، كانت هناك سياسة بنيامين نتنياهو التي أطلق عليها «السلام الاقتصادي» بافتراض أن إسرائيل ليس لديها ما تجنيه من جيران جياع، إسرائيل تزود قطاع غزة بالماء والكهرباء، رغم سيطرة حركة حماس عليه، ولكن إلى الحدّ الذي لا يؤدي إلى إشباع هذه الضرورات «للجياع» هناك، إلاّ أن هذه السياسة، تعتمد أكثر وفي ظروف محددة على «العصا» والهدف هنا واضح تماماً، إذ إن الفلسطينيين لم يقبلوا بالعروض السخية التي عرضها ايهود باراك، ثم ايهود اولمرت، واختاروا التوجه إلى الأمم المتحدة وتحميل إسرائيل مسؤولية وقف العملية التفاوضية، من هنا فإن لإسرائيل الحق في معاقبتهم، بهدف محدد: ذلك أن قليلاً من الألم، قد يؤثر على اختياراتهم المستقبلية، عَبر تقدير فاعل للأمور!
لا يخلص التقرير الموجز إلى أي توصيات أو نصائح، يحاول أن يشرح طبيعة المأزق الإسرائيلي، باعتباره مأزق التعامل مع المسألة الفلسطينية، إلاّ أنه مع ذلك يتجاهل تماما، الاحتلال الإسرائيلي، لم يتعامل هذا الموجز مع المأزق الحقيقي، وهو الاحتلال، وكافة عناصر هذا المأزق الذي أشار إليه موجز التقرير، تبقى تفاصيل صغيرة أمام المأزق الأوّل والخطير، إصرار الدولة العبرية على أن تبقى دولة احتلال.
لم يتعامل التقرير الموجز، مع المسألة الاستيطانية، لا من قريبٍ ولا من بعيد، باعتبارها أحد أهم أسباب تعثُّر ثم وقف العملية التفاوضية، بل تجاوزها كي يعتبر أن باراك وأولمرت، قدما عروضاً سخية للجانب الفلسطيني، ولعلّ تجاهل الإجراءات الدموية التي قامت بها حكومات نتنياهو المتعاقبة، مع التذكير بحلوله ذات الطبيعة الاقتصادية تحت شعار التسهيلات، ميل واضح لتبني واضعي هذا التقرير لسياسات نتنياهو المتطرفة والمتشددة.
هذه قراءة سريعة وقاصرة عمّا احتواه التقرير الموجز، ولعلّ في الحصول على التقرير الشامل، فرصة أفضل للوقوف على حقيقة التفكير الإسرائيلي فيما يتعلق بالموقف المحدّد من الحلول المطروحة، وهي حلول للمأزق الإسرائيلي، أكثر منها حلاً للمسألة الفلسطينية!!