لم ترد الادارة الأميركية على تشبيه الوزير ليبرمان الاتفاق النووي مع ايران باتفاق ميونيخ، إذ لم ترغب في منح ذخيرة للمرشح الجمهوري ترامب. ولكن في محيط اوباما عصفت الخواطر. ويروي دبلوماسيون اوروبيون ليس فقط عن الغضب بل ايضا عن اقوال حادة سمعت في البيت الابيض، بما في ذلك اقتراح تعطيل التوقيع على اتفاق المساعدات الامنية. وفي اسرائيل يقدرون بأن هذا هو رد عاطفي لا بد سيهدأ كي لا يصعبوا الامور على هيلاري كلينتون. وفي هذه الاثناء فان من خسر في هذه الجولة هو ليبرمان الذي أصدر، أول من أمس، بيان توضيح، شبه اعتذار، في محاولة لتقليص الضرر.
بيننا: ليبرمان محق. فقد استغل اوباما المعلومات التي وصلت اليه من اللقاءات بين قادة جهاز الامن الاسرائيلي والأميركي. فقد علم بالفعل أن رئيس الاركان آيزنكوت قال فيها انه في كل ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم وتفكيك المفاعل البلوتوني فان الايرانيين يلتزمون حتى الآن بالاتفاق، ولكن هذا مجرد فصل واحد قصير في تقويم الوضع الذي قدمته اسرائيل. فالجيش الاسرائيلي يواصل اعتبار ايران العدو المركزي الذي يحرك التهديدات الوجودية على اسرائيل. واضافة الى ذلك، ففي الجيش الاسرائيلي يشيرون الى خرق الاتفاق في مجال تطوير الصواريخ الباليستية، ويقدرون بانه اذا لم يطرأ تغيير في السياسة الايرانية، فمع مرور سنوات التجميد ستقف كقوة عظمى نووية.
ولكن إذ يتعلق اوباما بالاغصان العليا للجيش الاسرائيلي ويتذمر ضمنا من نتنياهو، فانه لم يتحدث الى آذان اسرائيلية بل الى الكونغرس. ويقوم الرئيس في الاسابيع الاخيرة بمناورات كي يحيد الكونغرس عن اعادة/ تشديد العقوبات على ايران. ومرة كل شهرين يتلقى الكونغرس تقارير عن الخروقات الايرانية في مجال حقوق الانسان وانتاج الصواريخ الباليستية. اما التعبير الشعبي اليوم في تلة الكابيتول فهو انعاش العقوبات. ولكن الادارة من جهتها تخشى من أن يؤدي كل تشديد للعقوبات الى منح تفوق للمحافظين في ايران في الانتخابات القريبة القادمة.
وقد طرح الموضوع أيضا في المحادثات بين ليبرمان ووزير الدفاع الأميركي، أشتون كارتر، قبل نحو شهرين. وكان الأميركيون واثقين من أن ليبرمان فهم بانهم يطلبون منه الا يسخن الآن الجبهة مع الايرانيين كي يسمح للرئيس روحاني بالبقاء في كرسيه. فقد بنيت الاستراتيجية الأميركية على نظام معتدل في إيران، مع التوجه الى الغرب، لا تكون له مصلحة في الحصول على سلاح نووي. اما فشل المعتدلين في الانتخابات فسيسحب البساط من تحت سياسة اوباما.
غير أن ليبرمان لم يدس فقط عن وعي على طرف الادارة، فيشحن الجمهوريين ويضع تراث اوباما حيال تراث تشمبرلين – بل لديه ايضا مطالب. فالمسؤولون في الادارة يجدون صعوبة في أن يفهموا كيف أن وزير الدفاع، الذي لم يتردد في طرح الموضوع، تقدم للبنتاغون قبل شهرين فقط بجرد كامل لطلبات المساعدة.
تبدأ القائمة في الفضاء وتنتهي في محاولة اقناع الجيش الأميركي شراء منظومات «معطف الريح» للدبابات من أجل مساعدة الصناعات الامنية الاسرائيلية. كما تطلب اسرائيل رفع مستوى العلاقة الاستخبارية بين الدولتين، ولا سيما في متابعة ايران، التعاون في مجالات الاقمار الصناعية والدفاع في وجه الصواريخ الباليستية، توثيق الاتفاقات التكنولوجية، القتال المشترك ضد السايبر، تجنيد الجيش الاسرائيلي لتطوير مشاريع لاكتشاف الانفاق وانتاج المجنزرة الجديدة. وكل هذا قبل المساعدات المالية السخية.
من المشكوك فيه أن يكون ليبرمان معنياً الآن بالمواجهة مع رئيس الوزراء أو مع الادارة الأميركية. فلماذا، إذاً، تحدث كما تحدث؟ الجواب على هذا اللغز يوجد، على أي حال، في المساحة التي بين أن يكون المرء محقا وأن يكون حكيما. غير أن من يطلب هذا القدر الكبير من الادارة الأميركية، لا يمكنه أن يبصق في وجهها.