أقرّت الحكومة الإسرائيلية بعد نقاشات مطوّلة استمرت 21 ساعة متواصلة، الميزانية العامة للعامين المقبلين. وبحسب ما نُشر، فإن ميزانية العام 2017 تبلغ 454 مليار شيكل (حوالي 115 مليار دولار)، وميزانية العام 2018 تبلغ 463.6 مليار شيكل (حوالي 117 مليار دولار). وتميّزت الميزانية الجديدة بتخصيص ميزانية كبيرة للتعليم والرفاه الاجتماعي على حساب ميزانية الدفاع، خلافاً للأعوام السابقة.
ومعروف أن مناقشة الميزانية العامة وإقرارها في إسرائيل يشكّلان مناسبة للتصارع بين وزارات الدفاع والتعليم والصحة والرفاه الاجتماعي على وجه الخصوص، حيث أن كل زيادة في ميزانية الدفاع تقتضي حسم جزءٍ من ميزانية الوزارات الخدماتية. وهكذا، فإن وزارة المالية أصرّت هذه المرة على تأجيل الإنفاق على بناء مقرّ جديد لرئاسة الحكومة، وعلى تخفيض تكاليف تشغيل الطائرة الخاصة التي تم شراؤها لرحلات كل من الرئيس ورئيس الحكومة في إسرائيل.
وتميزت فلسفة ميزانية العامين المقبلين في إسرائيل بمواصلة حسم اثنين في المئة من ميزانية كل من الوزارات، وزيادة ميزانية كل من وزارات الصحة والتعليم والمساواة الاجتماعية والعلوم والطاقة. وفي مستهل الجلسة الحكومية التي أُقرّت فيها الميزانية، أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أنه «يحمل بشارة تشجيع النمو، وزيادة المنافسة وتقليص غلاء المعيشة». ومعروفٌ أن إسرائيل تشهد حالياً نوعاً من النمو السلبي والركود الاقتصادي. وترمي الميزانية إلى تقليص آثار التراجع والركود عبر التدخّل في آليات السوق، وخصوصاً في مجالات حيوية كالصناعة والإسكان.
وظهر بوضوح الفارق بين وزارة المالية التي يأمل مسؤولها موشي كحلون أن يواصل حزبه نيل التأييد في الانتخابات المقبلة، وبين مصرف إسرائيل، حول وجهة الاقتصاد الإسرائيلي وميله. وفي حين سعى كحلون إلى زيادة العجز في الميزانية وذلك لتسهيل الزيادة في الإنفاق في العامين المقبلين، حذّرت محافظ مصرف إسرائيل كرنيب بلوغ، من أن ذلك قد يمسّ بفرص تحقيق الغايات الاقتصادية والاجتماعية على المدى البعيد.
وفي ختام المداولات، أعلن نتنياهو أن «هذه ميزانية هامّة، ويمكنكم أن تفهموا بعد يوم وليلة وبداية يوم مزايا الميزانية لعامين، لصالح اقتصاد إسرائيل، ومواطني إسرائيل، ولصالح دولة إسرائيل». ومع ذلك، يتوقع أن تثير بعض جوانب الميزانية إشكاليات داخلية كبيرة، إذ أنها تضمّنت زيادةً في فرض الضرائب، مثلاً على مالكي أكثر من ثلاث شقق سكنية.
وواضح أن الميزانية شهدت زيادة بحوالي نصف مليار شيكل لوزارة الثقافة والرياضة بحيث صارت أكثر من مليار شيكل، وهي أكبر ميزانية لهذه الوزارة في تاريخ إسرائيل. وكذا الحال مع وزارة الرفاه الاجتماعي التي زادت ميزانيتها عن العام الماضي بأكثر من 1.318 مليار شيكل، ما يعني تركيزاً على زيادة المعونات الاجتماعية.
غير أن الزيادة الأكبر في الميزانية هي التي منحت لوزارة التعليم، وهي زيادة بقيمة 4.7 مليار شيكل. ويعتبر هذا رقماً قياسياً، حيث أعلن وزير التعليم نفتالي بينت، أن الميزانية الجديدة «تمنع إقالة معلمين، وتسمح بزيادة تعليم اللغة الإنكليزية والرياضيات، والتعليم الخاص، وتقليص الأعداد في الصفوف».
كذلك قدّمت الميزانية زيادة بحوالي ربع مليار شيكل لوزارة الهجرة والاستيعاب للتمكّن من بناء بيوت للمهاجرين العجائز. وفضلاً عن ذلك، تقرّر منح الوزارة زيادة سنوية بقيمة 90 مليون شيكل.
وسبق إقرار الميزانية صراع مع وزير الصحة الحاخام يعقوب ليتسمان الذي طالب بميزانية أكبر. وكان لافتاً تبرير ليتسمان للزيادة بأن الحاجات الأساسية للوزارة، وخصوصاً العناية المطلوبة بالسكان الذين تزداد نسبة الهرم بينهم، لا بد من توفيرها. وقال إن التزامه بمصلحة المرضى يمنع من قبول أي ميزانية لا تلبي هذه الاحتياجات الأساسية.
ورغم أنه لم يتم الإعلان رسمياً عن حصّة وزارة الدفاع من كعكة الميزانية، إلا أنها فعلياً تصل إلى حوالي 70 مليار شيكل. ولكن ما يتم الإعلان عنه في العادة يقترب من 60 مليار شيكل. وفي هذا الشأن، قال وزير المالية موشي كحلون إنه فخور بأن السجال الحاد مع المؤسسة الأمنية توقف، وإنه «عندما يقول رئيس الأركان إن الميزانية تساعده في أداء دوره بأفضل شكل، فإن هذا خير لنا».
وقد علّقت المُعارضة على إقرار الميزانية موضحةً أنها استمرار لسياسة فاشلة تنتهجها الحكومة. وقال يعقوب بيري من حزب «هناك مستقبل» إن «كثرة التقليصات هي ثمرة سياسة اقتصادية غير مسؤولة تضر بجيوب كل مواطني الدولة. والميزانية تشكل استمراراً للسياسة الخربة التي تنتهجها الحكومة والتي فيها تقدّم الأموال للمقربين. وبدلاً من توفير رد حقيقي للضائقة وللفجوات الواسعة، رئيس الحكومة ووزير المالية يوزعان الأموال كجزء من الاتفاقيات الائتلافية على حساب المواطنين واستقرار الاقتصاد».
أما زعيمة «ميرتس» زهافا غالئون، فقالت إن «كحلون يدير ميزانية الدولة مثل بازار تركي. ومن غير الجائز أن يتحدد سقف ميزانية كل وزارة حسب قوة مساومة وابتزاز الوزير الذي يترأسها. في هذه المسخرة، يتم إهمال مصالح الجمهور الإسرائيلي تماماً».