كل الذين أعلنوا ونادوا بإجراء الانتخابات البلدية على اختلاف أهوائهم وانتماءاتهم وأغراضهم واستهدافاتهم «أكدُّوا» أن هذه الانتخابات ستشكّل جسراً يوصل إلى مرحلة جديدة من السير قدماً «باتجاه» إنهاء الانقسام. حتى الذين أبدوا حذراً وتحفظاً هنا وهناك لم «يفتهم» التنويه بأهمية هذه الانتخابات ارتباطاً بما يمكن أن تشكله من «محطة» على طريق إنهاء الانقسام مهما كان هذا الطريق صعباً وحتى طويلاً.
الأمر الذي فات المعظم إن لم نقل الجميع أن هذه الانتخابات يمكن أن لا تكون كذلك على الإطلاق، أي ربما لن تساهم أبداً في التمهيد لإنهاء الانقسام.
لو كان الأمر يقف عند هذا الحدّ لما كانت الأمور بالسوء الذي هي عليه في الواقع.
فإذا عقدت هذه الانتخابات وكانت النتيجة تُعمِّق الانقسام كما توحي الحالة منذ انطلاق الشرارة الأولى لهذه الانتخابات وحتى الآن فإن هذه النتيجة ستكون وبالاً حقيقياً على المصالحة أو على إنهاء الانقسام.
كيف ولماذا؟
إذا فازت حركة فتح في كل من الضفة وغزة فإن حركة حماس على ما يبدو حتى الآن ستتمسك بالقبضة على القطاع أكثر من أي وقت مضى. وإذا كانت معارضتها لتولّي أية حكومة بما في ذلك حكومة الوفاق ـ كما رأينا ـ هي معارضة غير مباشرة وغير مكشوفة ويجري «تغليفها» بالذرائع والمطالبات فإن معارضة حركة حماس لأية حكومة من أي نوع ستكون سافرة ومكشوفة ومباشرة وباستخدام القوة المسلحة إذا لزم الأمر.
أما إذا فازت حركة حماس في كل من الضفة والقطاع فإنها ستعتبر أن زيادة قبضتها على القطاع هو جزء من «الشرعية» الجديدة التي تكون قد اكتسبتها وستحاول أن توفر لنفسها موقعاً «شرعياً» في الضفة، والنتيجة هي ابتعاد إنهاء الانقسام أكثر مما هو بعيد اليوم.
أما إذا فازت حركة حماس في القطاع وفازت فتح في الضفة فإن حالة الانقسام ستكرّس إلى غير رجعة وتصبح «المفاوضات» حول أشكال معينة من «التنسيق الإجباري» لإدارة بعض المصالح المشتركة ليس إلاّ وذلك في أبعد الحدود وأقصاها.
لهذا كلّه، إذا بقيت الأجواء السائدة حتى اليوم هي الأجواء التي عليها الأحوال أثناء وبعيد نتائج الانتخابات فإن من المحتّم الأثر السلبي الكبير على إنهاء الانقسام وربما «التوغّل» في هذا الانقسام إلى حدود جديدة وغير مسبوقة، الأمر الذي يزيد الطين بلّة هو الانقسام داخل الصف الوطني العام.
فدخول «اليسار» هذه الانتخابات بقائمة مستقلة هو خطأ فادح من وجهة نظري لأنه سيتيح بقاء حالة الاستقطاب قائمة كما هي، في حين لو أن فصائل اليسار اصطفت إلى جانب فتح فإن هامش المناورة عند فتح وعند حماس سيضيق إلى أبعد الحدود وسيتم كسر حدية الاستقطاب، وهو الأمر الذي كان سيؤدي إلى خلق مساحة كافية من الحوار الوطني لإنهاء الانقسام.
الحل الذي يمكن أن يفوّت الفرصة على حالة الاستقطاب والتنافر القادمة والقائمة اليوم هو في إعادة التوافق ما بين القائمة الوطنية التي تقودها حركة فتح وقائمة اليسار.
إذا تمت تفاهمات كافية بين القائمتين فستزداد بصورة كبيرة فرص نجاح الحركة الوطنية وفصائل المنظمة وستتقلص فرص فوز حركة حماس.
وحتى لو نجحت حركة حماس إلى هذه الدرجة أو تلك فإنها بدون التستر وراء وجود قوائم مختلفة و»مصالح» مختلفة لن تستطيع الإمعان في قبضتها على القطاع وستخسر «الغطاء» الذي ما زالت تراهن عليه على هذا الصعيد.
بل وأبعد من ذلك، ما زال الوقت كافياً للتوافق على قوائم عامة وشاملة تشمل القوائم الوطنية والإسلامية إذا كانت هناك نيّة حقيقية لاستثمار هذه الانتخابات كرافعة من روافع إنهاء الانقسام.
وحتى لو تعذّر ذلك فمن المفترض أن لا تقع الحركة الوطنية الفلسطينية بشقّيها الوطني والديمقراطي ضحيّة للعبة التنافس على المصالح الخاصة لكل قائمة، لأن اللعبة أكبر بكثير من تلك المصالح.