لا يمكن أن يكون وطنياً من يرفض أو يقاوم الوحدة، سواء كانت وحدة العائلة أو المؤسسة أو الحزب، أو النظام السياسي، أو المجتمع فكيف حين يتعلق الأمر بأُمّ الوطنية، وأُمّ المشروع الوطني، وحركة الشعب الفلسطيني، ونقصد حركة فتح.
أسباب كثيرة تثير الخلافات، والتناقضات، وتؤدي إلى الفرقة والانقسام، لكن حركة فتح بطبيعتها وتكوينها وفكرها الوطني وليبراليتها كانت قادرة على استيعاب كل هذه المتناقضات. الانقسامات المحدودة التي وقعت في الحركة، كانت في معظم الأحيان، مدفوعة بعوامل خارجية، تسعى لإضعاف الوطنية الفلسطينية متمثلة في حركة فتح، أو مدفوعة بتطرف أحمق وحسابات ذاتية خاطئة، ولذلك لم ينجح أي من تلك الانقسامات في أن يشكل ظاهرة فاعلة فضلاً عن أنها لم تقدم للشعب والقضية شيئاً.
لا يفهم الكثيرون حتى الآن لماذا وما هي الأسباب الحقيقية التي دفعت الخلافات الفتحاوية إلى الواجهة، وإلى الحدّ الذي يؤثّر سلبياً على صورة الحركة ودورها القيادي في مرحلة من أصعب المراحل التي تمر بها القضية الفلسطينية ويعاني جراءها الشعب الفلسطيني. ويبدو لي أنه من غير المناسب أو المفيد أن نعود لننكأ الجراح فيما المساعي الكريمة تتواصل لإعادة رأب الصدع، وإعادة بناء وحدة الحركة.
نقول ذلك كما يقول الكثيرون الذين يرون عن قناعة راسخة أن حركة فتح، ليست لأبنائها، فلكل فلسطيني وطني منها نصيب. يعلم الإخوة في حركة فتح، كما يعلم كل الوطنيين الفلسطينيين أن صحة الحركة الوطنية، وصحة الشعب، هي انعكاس لصحة حركة فتح، وأن فتح هي عنوان وقائدة المشروع الوطني الفلسطيني.
فليعذرنا كل من يرى أن المساعي الجارية لإعادة توحيد حركة فتح لا تخدم الحركة ولا مشروعها التحرّري، ومن يرون ذلك ليسوا إلاّ أعداء للحركة، وهم متشبّثون بمصالحهم الخاصة، أو انهم خائفون من استعادة الحركة لقوتها ودورها.
مثل هذه الفئة موجودة ليس في حركة فتح وحدها وإنما هي موجودة وربما فاعلة لمنع وحدة القوى الديمقراطية ولمنع وحدة الوطن والشعب والنظام السياسي، غير أن الضرورة الموضوعية تفرض قوانينها وتفرض متطلباتها ومنطقها.
لقد طال أمد الانقسامات في صفوف الحركة الوطنية، كانعكاس لحالة التراجع الواضح في النضال الوطني التحرري، وكانعكاس لما تشهده المنطقة العربية والإقليم، فلم يعد ممكناً أن تبادر الأطراف التي تتعرض لهذا الانقسام، أو تشكل طرفاً فيه، لأن تغير على نحو مختلف واقع الحال الذي يشكو منه الشعب، وتعاني منه القضية.
كان لا بد إذاً من تدخل الحريصين من الأشقاء العرب، حتى لو أنهم جاؤوا متأخّرين، بل متأخّرين كثيراً، ولم يكن سوى مصر الكبيرة، بالتعاون الوثيق مع الأردن ومن تبقّى من العرب القادرين على التأثير. ليس عيباً ولا انتقاصاً من استقلالية، أو احترام القوى السياسية الفلسطينية أن تستجيب لمبادرة يقدمها الرئيس عبد الفتاح السيسي، والملك عبد الله الثاني ملك الأردن.
فلقد كان من أبرز معالم السياسة الفلسطينية خلال المرحلة الأخيرة التنسيق والتعاون مع المجموعة العربية.
ثم إن كان البعض يعتقد أن بإمكانه مقاومة ورفض مبادرة مصرية أردنية مدعومة من السعودية ودول الخليج، فهل يستطيع وحده أن يقاوم الضغوط والمخططات الإسرائيلية المدعومة أميركياً؟
نحتاج إلى خارطة طريق تعيد الأمل، وتعيد بناء الحلم الذي تبدّد وتحوّل إلى بحث عن الخلاص الذاتي، أو تحسين بعض الاحتياجات الخدمية.
في هذا السياق ثمة خارطة طريق عامة تبدأ بإعادة توحيد حركة فتح، وعودة المفصولين إلى صفوفها ثم تنتقل إلى توحيد الصف الفلسطيني وإنهاء الانقسام بين حركتي فتح وحماس، ما يؤسس لنشاط سياسي، في اتجاه البحث عن آليات جديدة، لتصحيح مسار عملية السلام، وإعادة الألق للمشروع الوطني والحقوق الفلسطينية.
هذا الترتيب منطقي جداً وموضوعي، فإعادة الألق للمشروع الوطني والحقوق الفلسطينية يتطلب إعادة بناء النظام السياسي، وتوحيد شطري الوطن، وانخراط الجميع في إطار المؤسسة الموحدة وعلى أسس سياسية واضحة، وكل ذلك يتطلب إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، وهذه وتلك تتأسس على وحدة وقوة الأطراف التي ستنخرط في هذه العملية، وأراهن أن ضعف حركة فتح لا يمكن أن يقود إلى تغيير الواقع القائم بما في ذلك إنهاء الانقسام.
كبيرة المسؤولية التي تقع على عاتق حركة فتح، قادة وكوادر وأنصاراً حيث إن الإسراع في لمّ شمل الحركة، واختصار الوقت اللازم لتحقيق ذلك، من شأنه أن يسرع في التقدم نحو إنجاز الخطوة الكبيرة التي تليها. ليس لدى الفلسطينيين فائض وقت حتى يصرفوه في تفاصيل لا معنى لها، خصوصاً وأن المبادرة الفرنسية وما يرافقها من حراكات سياسية وبغض النظر عن النتائج المتوقعة، هذه المبادرة مطروحة على نار ساخنة.
أشهر قليلة تفصلنا عن استحقاق المؤتمر الدولي الذي يجري التحضير لعقده، ما يستدعي الاستعجال في ترتيب الذات الفلسطينية حتى لا تشكل سبباً لتهرب القوى الدولية والعربية، أو سبباً في إضعاف الموقف الفلسطيني.