اقتحام خصوصية الناس وممارسة اغتيال السمعة

صلاح هنية
حجم الخط

ايام العيد وما قبلها وما بعدها تجد ان الغالبية العظمى من الناس مشغولة بشؤون الاخرين الخاصة، معظم الناس نصبوا انفسهم ناصحين وحريصين على الاخرين وقلبهم بتفتر الما لأن حال فلان مايل وحال فلان مش تمام، الغالبية لا تترك الناس بحالها بل يصرون ان يطرحوا قضايا الاخرين الخاصة علنا للنقاش للتشهير واثارة الاشاعات.
تحطيم لـ (( ولا تجسسوا )) (( لا يغتب بعضكم بعضا )) (( ايحب احدكم ان يأكل لحم اخيه ميتا ))) ... هناك تدمير ممنهج للخصوصية التي تقود بالتالي لتدمير خصوصية من يسعى لاقتحام خصوصية الاخرين، احيانا نستر ذلك بمنهجية علمية (( على اساس اننا علميون )) نحن نحلل!!! نحن نقرأ ما وراء السطور!!! نحن نستخلص العبر!!!! ... ولا علاقة لأي من هذه بما يحدث اجتماعيا ((( الاستغابة ليست نهجا علميا ))) ((( الادعاء ان فلان لا يستحق ما بين يديه ليس تحليلا ))).
وراء هذا كله تتصاعد الامور الى حيث لا يحمد عقباه يصبح من السهل ان نقول فلان (( مرتشي ))) انا اشهد ((( انه باع ضميره ))) فلان ((( سرق المال العام )) وهنا تصبح الامور خارج السيطرة وتصبح ككرة الثلج التي تتدحرج لتجلس في حجرنا لتفتك بنا قبل غيرنا.
احيانا تأتي الامور بعفوية كاملة فيجلس على المنصة ليحدث المستمعين فيشرح بعضا من الغيبة والنميمة التي كانت تحدث بين الجمهور تجاه المتحدثين فتارة (( ذاك لا يستحق ان يكون على المنصة )) (( وذاك بات مهتما بالطاقة المتجددة عشان مصالحه ))) ((( هذا سيكرر ما يقوله مرارا وتكرارا ))) ((( طبعا مش راح يسمحوا لفلان من الجمهور ان يعقب حرصا منهم على مشاعر احد المتحدثين على المنصة ))) المشكلة ان العفوية هي تعبير صادق عما يجول في ذهن ورؤية هؤلاء تجاه الاخرين بالتركيز على اقتحام الخصوصية والتقيم على اساس تقيم مسبق لا يتغير والاعتماد على الانطباع والانطلاق من تصنيف الناس هذا في ذلك المربع لن نحيد عن رؤيتنا لهم.
الاخطر ان ((( الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية )) الا اننا نعيش حالة من الخصام والعداء ليس على ارضية الخلاف بالرأي لأنه لا يوجد رأي اصلا ولا موقف ولا توجه، قاعدة الاختلاف ظاهريا فكري وفعليا مصلحية ذاتية اقتسام غنائم افتراضية على زعامة لم تعد زعامة، وهذا نتيجة للامراض الاجتماعية المزمنة التي نعيشها فاسقطنا على تشكيلاتنا السياسة والثقافية والاكاديمية تلك الامراض الاجتماعية ذاتها، ونرى ان البعض بات يستنكف باتجاه الاحتماء بما هو أكثر حصانة (( القبيلة )) ((( العائلة الممتدة ))) ((( العزوة ))).
تجارب حاضرة بقوة امامنا كم تم التوسل لاشخاص ان يخوضوا غمار معركة تمثيل هذا الاتجاه او ذاك في الحركة العمالية أو الحركة النسوية أو الحركة الثقافية للاعلان عن حضور وثقل وبعد اقل من نصف قرن باربعة عشر عاما وبعد ان تركوا يجربوا ويخطئوا ويقفوا على اقدامهم بدأت معركة تجريدهم من كل شئ بطريقة مهينة واغتيال السمعة وكأننا لم نكن نسمع ولا نرى وفجأة قررنا ((( اغتيال السمعة ))) وتتم الاستعانة بمن مارسنا بحقهم التشهير والمس على اساس انهم شركات وليسوا متطوعين ليساعدونا في التشهير واسقاط من بتنا نستهدفهم بعد ان ارتقينا بهمتهم وكنا نسير بمسيراتهم التي نفاخر بها وقد نكون قد استفدنا من مشاريع اسكان منخفضة التكاليف اقاموها لنا.
خلاصة الكلام: يجب ان نترك خصوصية الناس وشؤونهم الخاصة لهم، وعلينا ان نفكر بما هو عام كيف نصلحه ونحسنه ونطوره ولا يهقل ان نظل نتحسر على أنه بالامكان افضل مما كان ونحن لا نحسن صنعا بما هو بين ايادينا ونظل نقحم انفسنا بقضايا هامشية لا شأن لنا بها، لا يعقل ان نلعن المحاصصة جهرا وعلنا ونمارسها عندما يصبح الموضوع كسب لنا، لا يعقل ان نحاسب ملف سياسي متكامل ونختصره بشخص ونشخصن الامور فنخسر معركتنا الاساسية.
كم خسرنا في مجالات لأننا شخصنا الامور أو تم جرنا غصبا عنا الى الشخصنة ليضمنوا لنا الخسارة قبل ان نبدأ، لذلك يجب ان نحسن اختيار انصار نزاعات الحقوق حتى نقلل القدرة على الشخصنة وممارسة بشاعة اقتحام الخصوصية لثغرة هنا وثغرة هناك.
فصل المقال التغيير وجلب قيادات للمؤسسات غير الحكومية والشعبية بأتي من خلال صندوق الانتخابات وأرادة القاعدة ولا يجوز ان نقلب المفاهيم وتصبح القاعدة ليست قاعدة وتصبح مزورة ولا علاقة لها بالعمل المستهدف به المؤسسة بعد نصف قرن، ولا يجوز أن نمارس (( اغتيال السمعة ))) وما أكثر من ذلك لدينا (( النائب العام )) ولدينا (( هيئة مكافحة الفساد )) ولدينا (( الجهاز القضائي ))) و ((( البينة على من ادعى ))).