لماذا يتصاعد العنف الفلسطيني؟

529639694606
حجم الخط

في كل مرة نشهد فيها تصعيداً في "الإرهاب" الفلسطيني يطرح بعض السياسيين والمحللين، فوراً، حجتين متآكلتين: الأولى، نتنياهو ووزير دفاعه (ذات مرة كان يعلون، والان ليبرمان) لا يعرفان كيف يواجهان "الإرهاب".
ويتميز في هذا هرتسوغ الذي يرغب على ما يبدو في أن يشرح للجمهور بأنه هو وفريقه بالفعل يعرفان كيف يقضيان على "الإرهاب"؛ والثانية، هي أن كل شيء كان لأنه لا توجد مسيرة سياسية؛ لا أمل للشبيبة الفلسطينية، وهي يائسة.
المقطع التالي من تحليل في الصحيفة اجتذب اساسا انتباهي: "في الجيش الاسرائيلي أيضا يعرفون بأنه في غياب خطوات سياسية لا أمل في أن يتوقف العنف والارهاب".
لا أرغب في أن اتوقف عند الحجة الاولى، فقد قيلت ايضا في نهاية السنة الماضية، وانظروا العجب: بدأت موجة "الارهاب" تنخفض وتنخفض ويبدو أن الحكومة وجهاز الامن مع ذلك عرفا كيف يعالجانها.
أريد أن اتوقف عند الحجة الثانية، إذ انها برأيي تعكس شيئا عميقا في ثقافة التفكير والخطاب في الدولة.
اساسها هو الالتصاق بالكليشيهات، الشعارات، الآراء المسبقة، وفي اطار ذلك الهروب من حقائق الواقع الحالي والماضي.
وعندما اقول حقائق، فاني أقصد الامور التي يمكن موضعيا إثبات حقيقتها، بلا جدال.
ما غاب على نحو شبه تام من الخطاب الجماهيري عندنا هو المبررات، الادلة، والحقائق المؤيدة للحجة، في الفكر.
تعالوا نفحص مقطع التحليل الذي اقتبسته عما "يعرفون" في الجيش الاسرائيلي: أولا حقيقة بسيطة هي انه بالذات عندما كانت هناك مسيرة سياسية تصاعد "الارهاب" منذ عهد "اوسلو" البهيج.
هناك اسباب وجيهة لذلك، ولكن الحقيقة بقيت: لا وقف للعنف بسبب المسيرة السياسية.
يخيل لي انه في السنوات الاخيرة من ولاية نتنياهو الاولى (بعد اتفاق الخليل)، عندما تجمدت الاتصالات السياسية مع الفلسطينيين، توقفت أعمال "الارهاب" على نحو شبه تام.
ثانيا، في كل البحوث التي تمت حول المنفذين الافراد للعمليات في نهاية العام 2015 كاد التعليل الايديولوجي في أنه لا توجد مسيرة سياسية لا يحتل مكانا في الاسباب التي حركتهم. فالمبررات الشخصية احتلت المكان الأول.
ثالثا، هل يعتقد احد ما بأنه اذا كانت هناك مسيرة ما، فسيؤثر هذا على الاطلاق على فاطمة، مثلا، التي تخشى من أن تكون حملت دون إرادتها؟ أو على فتيان يريدون ان يكونوا شهداء وينالوا الحوريات في الجنة والتخليد والشرف في قراهم؟
رابعا، كل الفتيان والفتيات تربوا في البيت وفي المدرسة على ان اليهود يجب كرههم حتى القتل، للكثير من الاسباب، ولكن اساسا لانهم سلبوا الارض التي تعود لهم من البحر المتوسط وحتى نهر الاردن. كتب تعليم السلطة هي ثمرة التسميم.
والان السلطة الفلسطينية، انتبهوا الى ان السلطة لا تشجب أية محاولة قتل، بل العكس، تتهم اسرائيل بقتل اولئك الذين جاءوا ليقتلوا، هكذا كان ايضا في نهاية السنة الماضية. بلا أي شجب. لماذا؟ لأن هذا هو "الإرهاب" "غير الساخن"، هذا هو "الارهاب" الشعبي ("المقاومة الشعبية") الذي تروج له السلطة منذ العام 2010.
ابو مازن يدعوه من على منصة الامم المتحدة ومنصات دولية اخرى: "المقاومة غير العنيفة بالطرق السلمية". و"غير العنيفة" تتضمن السكاكين، الدهس، الزجاجات الحارقة، رشق الحجارة. تريد "حماس" بالطبع ان تكون هناك عمليات ساخنة بالسلاح، وبالمتفجرات. هذا هو الفرق بينها وبين السلطة.
"الارهاب" الفلسطيني الشعبي الدائم، المتواصل، يصعد فجأة مثل النيزك المشتعل وينزل بعد زمن ما.

عن "معاريف"