في الذكرى الثالثة والأربعين لأكبر وأعظم انتصار عسكري لمصر، وهو انتصار حرب أكتوبر المجيدة التي أطاحت بأحلام وآمال العدو الإسرائيلي، أو كما وصفها الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بأنها أفقدت العدو توازنه في 6 ساعات، نتذكر أبطالاً روت دماؤهم أرض الفيروز وأبطالاً آخرين ما زالوا يشربون من نيلها ليرووا لنا بطولات وأمجاد العسكرية المصرية. بطل هذه القصة لم يكن قائدًا أو ذا رتبة عسكرية كبيرة، ولكنه كان أحد الجنود البواسل الذين سطروا تاريخَهم بأحرف من نورٍ في تاريخ الوطنية والفداء، وكان أول مَن وجّه سلاح الطيران والمدفعية لدك حصون العدو؛ حيث كان أحد أبطال فرقة الاستطلاع، وكان ضمن أول فرقة عبرت القناة.
"سعد الحداد".. أو يمكنك أن تطلق عليه "الجندي الوسيم" نظرًا لما يتمتع به من جمال المظهر ووسامة الخلق، يحكي لنا قصته في حرب أكتوبر، وظهور معجزة البئر في سيناء الذي ظهر فجأة ليروي عطشهم، ودوره هو وأصدقاؤه الأبطال في العبور الأول، وكيف وقع في الأسر لدى العدو، وقصة الضابطة الإسرائيلية التي حاولت أن تأخذ منه اعترافات ومعلومات فوقعت في غرامه. يقول البطل "الحداد" وهو من أبناء محافظة دمياط، إنه كان على قوة الجيش الثاني الميداني ضمن فرقة الاستطلاع 18 مشاة ميكانيكا، تحت قيادة اللواء فؤاد عزيز غالي والذي تقلّد بعد ذلك رتبة الفريق. بدأ "الحداد" قصته بأن مهمة فرقته كانت تحرير القنطرة شرق، وكان ضمن الطلائع الأولى التي عبرت قناة السويس عن طريق القوارب المطاطية، وكان العائق أمامهم خط بارليف، وقال: "قدرنا نتسلق المانع المنيع (خط بارليف) الذي كانت تتباهى به إسرائيل أمام العالم بأنه لا يستطيع أحد اقتحامَه، وقدرنا نتسلق بارليف من خلال سلالم خشبية، فكان أحد المقاتلين يصعد ويقوم بفرد السلم حتى يصعد الجميع، وذلك قبل عملية استخدام خراطيم المياه في شق الساتر الترابي". وتابع: "كان ترديد (الله أكبر) أكبر حافز للمقاتلين وكانت بمثابة رعب للعدو، فكانوا لا يعرفون ماذا نقول جميعًا في صوت واحد بهذا الحماس". وأضاف: "كان العدو يتحصّن في خنادق وراء ستار مُحصّن بشدّة، وكانت أسلحتنا "أر بي جي" وأسلحة ضخ نار.. كانت مهمتنا استطلاع توجيهي من خلال الاتصال بالقيادة مباشرة ونحن في المقدمة لتوجيه الضربات الجوية ثم المدفعية لدك حصون العدو".
واستطرد "البطل": دخلنا القنطرة شرق وكان جنود العدو لا يسكنون البيوت؛ لأنها كانت خاوية وكانوا مستقرين في الخنادق خلف الحصون حتى لا تطالهم أي ضربات جوية.. وكانت الضربات الجوية والمدفعية المصرية قوية جدًا بناءً على التوجيهات التي كنا نرسلها للقيادة".
وتابع: "العدو كانوا بيجروا قدامنا من المفاجأة؛ لأننا عندما استطلعنا الموقف وجدناهم يلعبون الكرة ويغسلون ويلهون وكان ذلك في تمام الساعة الثانية وخمس دقائق ظهرًا". واستطرد: "أثناء الحرب كنا نشرب بغطاء الزمزية حيث لم يكن معنا سوى زمزمية مياه مع كل مقاتل وكانت هناك أزمة في المياه وصعوبة في وصول الإمدادات، فوجدنا معجزة إلهية بظهور بئر من باطن الأرض في سيناء شربنا منه جميعًا وكانت بمثابة معجزة تؤكد لنا أننا سننتصر لأن الله معنا". وقال: "تأذينا كثيرًا من الرائحة الكريهة؛ بسبب جثث العدو التي ملأت المكان، فقمنا بجمعها ووضعنا الجثث فوق بعضها وسكبنا عليها البنزين من السيارات وأشعلنا النار فيها". وأشار إلى أن هناك مدفعًا كان يستخدمه الإسرائيليون كنا نطلق عليه مدفع "أبو جاموس" لشدته، وكان حينما يضرب بشكل عشوائي كان يسمعه مَن في بورسعيد والسويس والقنطرة.
وحكي "الحداد": "أخذنا موقعنا داخل خندق في قلب أرض العدو وقمنا بتغطيتنا ومر علينا مدفع للعدو كانت العجلة الأمامية للمدفع أمام رؤوسنا ولكنه مرَّ بسلام ولم ننكشف وقتها". وأضاف: "ومع ضوء النهار كشفنا العدو وكانت مفاجأة كبيرة لنا، كنا من 6 إلى 7 أفراد تم أسرنا؛ لأننا فوجئنا أننا تم حصارنا من عدد هائل من قوات العدو وتم توثيقنا من الخلف وإغماء أعيننا". وتابع: "أُسرت من 4 إلى 5 شهور وكنت ضمن أول دفعة لتبادل الأسرى بعد قرار وقف إطلاق النار في الكيلو 101". ويحكي البطل قصة الغرام من جانب الضابطة الإسرائيلية التي وقعت في حبه قائلًا: كانت هناك ضابطة إسرائيلية (ملازم أول) تستجوبنا وتحاول أن تجعلني أدلى بمعلومات تخص الحرب لها وكانت إجابتي لها: لا تعليق وهذا خيانة للوطن، وقلت لها تقدري تضري وطنك؟ قالت: لأ.. قولت وأنا أكثر منك ولا أستطيع أن أضر وطني ونحن مستعدون للشهادة في أي وقت.. فابتسمت من ردي عليها".
وتابع: "كانت هذه الضابطة تعاملني معاملة خاصة عند تقديم الأكل لنا أو الشرب وغيره حتى أنها كانت تريدني؛ لأنها أحبتني نظرًا لما كنت أتمتع به من جمال ووسامة، ولكنى لم أبادلها أي مشاعر أو نظرة سوى نظرة الكره التي كانت تملأني تجاههم".
وقال إنها لما علمت بتبادل الأسرى حزنت وقالت أقل شيء يمكن أن أقدمه لك أن أجعلك في الدفعة الأولى من تبادل الأسرى، وحينها قامت بكتابة رقم تليفونها في ورقة ووضعتها في يدي، وأشارت إلىّ بأن أكلمها بعد وصولي مصر، مضيفًا أنه فور أن أدارت ظهرها لي قمت بتقطيع الورقة وابتلاعها حتى لا ترى أثرها فتعاقبني بعدم تسليمي في الدفعة الأولى". واختتم البطل المصري حديثه بالثناء على قائده الفريق فؤاد عزيز غالي، قائلًا إنه كان مسيحيًا ولكنه كان قمةً في القيادة والأخلاق، ومعاملته لنا تفوق الوصف ودائمًا ما يحثنا على النصر أو الشهادة.