حرب أكتوبر.. نقطة تحول إسرائيلية

dababah
حجم الخط

ترافق ذكرى حرب "يوم الغفران" – ذكرى الفشل والمفاجأة وذكرى الذين سقطوا – المجتمع الاسرائيلي إلى الآن، وتحلق كظل غيمة ثقيلة، أكثر من أي حرب اخرى في تاريخنا. تغطي هذه الذكرى على الانجاز العسكري الكبير الذي تحقق خلال الحرب، وتُصعب علينا محاكمة نتائجها بعد مرور الوقت.
في نهاية المطاف، وبنظرة الى الوراء، شكلت هذه الحرب – بسبب سياقها ونتائجها – نقطة تحول في العلاقات بين اسرائيل والعالم العربي. لقد كانت هذه هي الحرب التقليدية الأخيرة التي وقفت فيها إسرائيل أمام التهديد العسكري الذي شكلته الجيوش العربية النظامية. رافق هذا التهديد اسرائيل منذ اقامتها، ووصل الى ذروته في حرب "الايام الستة" وفي حرب "يوم الغفران"، لكنه تلاشى منذ ذلك الحين.
اليوم، لم يعد سيناريو الحرب الشاملة ممكنا. مصر، التي قادت طوال جيل الصراع ضد اسرائيل، وقعت معنا في اعقاب "يوم الغفران" على اتفاق سلام. هذا السلام قوي ومستقر، والدولتان تعملان على تعميقه. أما سورية فقد انهارت داخلياً خلال سنوات الحرب الاهلية الدموية التي تحدث فيها.
بمفاهيم التهديد الوجودي المباشر مثل ذلك الذي شكلته الجيوش العربية في العام 1967 أو 1973 فان منظمة "حزب الله"، التي بقيت كعدو أخير لاسرائيل في واقعها الحالي، هي شيء مفتعل. حيث لا يوجد لهذه المنظمة العمق الاستراتيجي والديمغرافي اللذان كانا في حينه لمصر أو سورية. يمكن أن تكون اضرارها مؤلمة مثل اضرار أي منظمة "ارهابية" تملك الصواريخ، لكنها لا تملك القدرة التي كانت لمصر وسورية في المواجهة العسكرية التقليدية مع إسرائيل. إن اسقاط ضربة قاضية على رأسها، اذا حاولت التحرش باسرائيل، هو مسألة قرار واستعداد اسرائيلي لتحمل ثمن ذلك. في السابق عرفت اسرائيل كيف تتخذ قرارات صعبة مشابهة عشية حرب "الايام الستة" أو خلال حرب "يوم الغفران" وفي لحظة الحقيقة. وليس هناك سبب يمنعها من اتخاذ قرار كهذا في مواجهة "حزب الله".
إلى جانب كل ذلك، من المهم التأكيد على أن النقطة الاصعب في حرب "يوم الغفران" كانت نقطة المخرج للبحث والاصلاح الذاتي، الامر الذي حول اسرائيل الى قوة عظمى عسكرية لا توجد أي جهة في المنطقة قادرة على مواجهتها، ودولة قوية اقتصاديا وديمقراطية محصنة رغم كل الصعوبات التي مرت على المجتمع الاسرائيلي. اختار العالم العربي في المقابل طريقاً مختلفة أو سمح لنفسه في الاستمرار في طريق مسدود، سار فيه منذ بداية الصراع العربي - الاسرائيلي، وهو يتمسك بالعداء وبمفاهيم الماضي ورفض التغيير والتجديد. الوحيد الذي حاول السير في طريق جديد مختلف هو الرئيس المصري، أنور السادات، مهندس حرب تشرين الاول 1973، الذي حاول بعد انتهائها التوقيع على سلام مع اسرائيل. بالنسبة للسادات فان الحرب والسلام الذي جاء في اعقابها يهدفان الى تشكيل نقطة انطلاق لاصلاح مشكلات المجتمع المصري الداخلية واصلاح الاقتصاد المصري. من يعرف مثل السادات بأن احتفالات الانتصار الوهمي للعرب في تشرين الاول 1973 لن تفيد العرب كما أثبت الواقع المصري أو السوري، وكما سيثبت مستقبل نصر الله، زعيم "حزب الله"، الذي حول الضربة التي تعرض لها في صيف 2006 الى انتصار إلهي.
لم تكن طريق السادات نظيفة من الأخطاء. لكن نجاح مصر في الوقوف على قدميها خلال العاصفة التي اجتاحت كل المنطقة يكمن في الخيار الاستراتيجي للسادات بالسلام، الذي التزم به من جاء بعده.
لقد أثبتت القوة الاسرائيلية نفسها في الحرب رغم الفشل الذي رافق بدايتها. الآن ايضا، قوة اسرائيل العسكرية وحصانتها الاقتصادية والاجتماعية هي أساس الازدهار وسبب أن المزيد والمزيد من العرب يدركون أهمية الاعتراف وصنع السلام معها. هذا درس مهم في منطقتنا، منطقة الرمال المتحركة التي تنهار فيها المجتمعات والدول، قطاعات سكانية كاملة يتم اقتلاعها من بيوتها، ومئات الآلاف يقتلون على أيدي الزعماء أو الجيران، والعالم يصمت.