سأركز في هذا المقال على ما يحول دون عقد الإطار القيادي المؤقت، لذلك سأتجاهل مسائل مهمة، مثل أن هناك جماعات مصالح الانقسام التي ازدادت نفوذًا وثروة في عهد الانقسام ويهمّها استمراره، وهي منتشرة داخل السلطة والفصائل وخارجهما، ومثل أن الرئيس يريد مصالحة بشروطه، بما يضمن استمرار قيادته الانفرادية، وأن «فتح» و»حماس» تريدان مصالحة على أساس إقصاء الطرف الآخر، أي بما يضمن سيطرتهما الانفرادية على القرار ومواقع النفوذ، وتأثير الأدوار الخارجية، وخاصة إسرائيل.
أي وحدة وطنية حقيقية تتطلب أولًا إعادة بناء وإصلاح مؤسسات منظمة التحرير بما يتناسب مع الحقائق الجديدة والخبرات المستفادة، وبما يضمن مشاركة مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، بما في ذلك الشتات والمرأة والشباب.
نقطة البدء منظمة التحرير كونها المرجعية السياسية العليا والممثل الشرعي الوحيد والشرعية المعترف بها فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا، وقدرة إسرائيل على التأثير عليها وعلى قراراتها أقل من قدرتها على السلطة، خصوصا إذا قررت – كما مفترض- توزيع قياداتها ومؤسساتها بين داخل الوطن وخارجه، على أن يكون هناك جزء مهم منها في غزة، لأن الاحتلال فيها يأخذ شكل الحصار والعدوان والتوغلات، أي مختلف عن احتلال الضفة المباشر.
ونقطة البدء في المنظمة تكون في تفعيل الإطار القيادي المؤقت المنصوص عليه في «اتفاق القاهرة»، الذي ينص على تفعيل «لجنة المنظمة» باعتبارها إطارًا قياديًا مؤقتًا؛ قراراته غير قابلة للتعطيل بما لا يمس صلاحيات اللجنة التنفيذية للمنظمة إلى حين إجراء انتخابات المجلس الوطني.
لم يتم عقد الإطار القيادي المؤقت سوى مرتين أو ثلاثة بشكل متباعد، ودون أن يأخذ صلاحياته المتفق عليها، وبرغم النصّ على عقده في غضون خمسة أسابيع من توقيع «إعلان الشاطئ»، فما الذي أعاق عقده رغم دعوات «الكل» الفلسطيني إلى ذلك؟ وبرغم أن عقده يوفر المؤسسة الوطنية الجامعة التي يمكن أن تنظم الحوار الوطني الشامل وتتحمل المسؤولية عن اتخاذ القرارات بما يتعلق بمختلف شؤون الشعب الفلسطيني.
يقول المقرّبون من الرئيس: إنه أرسل رسالة إلى مصر بعد «إعلان الشاطئ» يطلب فيها عقد اجتماع للإطار القيادي المؤقت، إلا أنه لم يتلق ردًا مكتوبًا، وأتت الإجابة بأنّ القاهرة ترحب بعقده ولكن من دون مشاركة خالد مشعل؛ بسبب الخصومة بينه وبين القيادة المصرية، وهذا يعني تعذر عقد الاجتماع لأن حماس لن تشارك فيه من دون رئيسها. كما لا يمكن عقد الاجتماع في غزة لاقتضائه حضور قيادة حماس من قطر إلى غزة عبر مصر.
في ضوء ذلك، كانت هناك اقتراحات بعقد الإطار القيادي في الكويت عندما كانت ترأس القمة العربية، أو في مقر الجامعة العربية بوصفها بيت العرب، أو في عمان لأن فيها مقر المجلس الوطني، أو في الجزائر لأنها على علاقات جيدة مع مختلف الأطراف. ونقطة ضعف هذه الاقتراحات أنها تتعامل مع مسألة عقد الإطار القيادي وكأنها فنية تتعلق بإيجاد مكان، وليس بوصفها سياسية تتعلق بقضايا عدة من دون حلها لا يمكن إحراز النتيجة المتوخاة.
القضية الأولى التي تعيق عقد الإطار القيادي المؤقت، وهي من الأسباب التي تقف دون توجه الرئيس جديًّا لعقده تتعلق بمدى الاستعداد لتحمل عواقب انضمام «حماس» والجهاد لجهة احتمال سحب الاعتراف الأميركي والإسرائيلي، وربما الأوروبي والدولي بالمنظمة، وفرض عقوبات أخرى عليها، لأن هناك موقفا دوليا يطالب بموافقة «حماس» والجهاد على شروط «اللجنة الرباعية» قبل اشتراكهما في حكومة وحدة وطنية أو في المنظمة. وسبق أن تعطّل الحوار الوطني الفلسطني في القاهرة العام 2009 على خلفية عدم موافقتهما على شروط «اللجنة الرباعية»، وفُرِضت المقاطعة لنفس السبب على حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت بعد «اتفاق مكة» العام 2007.
هناك رأي يستحق النقاش حول أن الظروف الآن مختلفة عما كانت عليه خلال الفترة (2007-2009)، بسبب وجود أوهام آنذاك حول إمكانية استئناف المفاوضات الثنائية ووصولها إلى اتفاق، وكان يُنْظر إلى المصالحة الفلسطينية وقتها بوصفها عاملًا مساعدًا لإطلاق عملية التسوية وسحب الذريعة من يد الحكومة الإسرائيلية التي تقول بعد الانقسام بعدم وجود شريك فلسطيني، بحجة أن الرئيس أبو مازن لم يعد يمثل الفلسطينيين جميعًا وسلطته لا تحكم غزة.
الآن، وبعد نتائج الانتخابات الإسرائيلية، لا توجد أوهام حول استئناف المفاوضات الثنائية، والموقف الأوروبي والدولي أقل تصلّبًا بخصوص انضمام «حماس» و»الجهاد» إلى المنظمة، ولكن ظهرت أوهام جديدة حول فرض حل دولي على الطرفين من خلال مفاوضات تعقد في إطار مؤتمر دولي ووضع سقف زمني لإنهاء الاحتلال، وما يعنيه ذلك من إعطاء هامش حركة للقيادة الفلسطينية للمساهمة في ذلك؛ الأمر الذي يعيقه انضمام «حماس» و»الجهاد» إلى المنظمة من دون الموافقة على شروط الرباعية الظالمة والمجحفة بحق الشعب الفلسطيني.
هناك اجتهاد لحل هذه المعضلة من خلال التمييز بين انضمام «حماس» والجهاد إلى الإطار القيادي المؤقت وبين انضمامها إلى المنظمة، أي أن حضور اجتماعات الإطار المؤقت لا تعني دخولًا فوريًا إلى المنظمة، وأنّ اللجنة التنفيذية ستبقى صاحبة القرار والشرعية إلى حين إجراء انتخابات المجلس الوطني وتشكيل المؤسسات الجديدة، أي أن الإطار القيادي يجتمع ويتوافق على القضايا، ولا تصبح نافذة إلى عندما تقرّها اللجنة التنفيذية. هل سيقبل حكام واشنطن وتل أبيب بهذه الصيغة، وهل سيبقى القرار رهنًا لذلك، أم آن الأوان لاعتماد مقاربة جديدة بعيدًا عن الرهانات الخاطئة.
وسواء إذا كانت هذه الصيغة كافية أم لا، وهي يمكن أن تكون مخرجًا مؤقتًا، ولكنه لا يغني من الاتفاق على رزمة كاملة، تضم الاتفاق على برنامج سياسي للسلطه/الدولة، يتضمن الحفاظ على الحقوق الوطنية، ويستند إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، واحترام الاتفاقات المبرمة إذا احترمتها الحكومة الإسرائيلية من دون الالتزام بشروط اللجنة الرباعية. مع العلم أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تجاوزت هذه الاتفاقات كليًا، على الأقل، منذ اغتيال إسحاق رابين وحتى الآن، ولم يبق من هذه الاتفاقات سوى الالتزامات الفلسطينية.
أما القضية الثانية فتتمثل بالمعارضة المصرية لعقد الإطار القيادي في ظل الخصومة بين مصر و»حماس». وهنا لا ينفع الاستخفاف أو التذاكي والبحث عن مكان لعقده، لأن أبو مازن لن يجازف بإغضاب مصر الراعية لاتفاق المصالحة وصاحبة الثقل الكبير والدور المهم في القضية الفلسطينية وبحكم الموقع الجغرافي لها.
ويتمثل المخرج المناسب بإيجاد حل لهذه الخصومة (المصرية الحمساوية) من خلال إيجاد مسافة كافية بين «حماس» وجماعة الإخوان المسلمين التي تحارب النظام المصري، بوصفها جزءًا من الحركة الوطنية الفلسطينية، المطالبة بحكم عدالة القضية الفلسطينية وحاجتها وقدرتها بالحصول على دعم جميع الأطراف العربية مهما بلغت الخلافات فيما بينها، وهذا يقتضي عدم التدخل في الشؤون الداخلية العربية، والاعتراف بالرؤساء والحكام الحاليين باختيار أو من دونه من الشعوب العربية؛ مقابل عدم تدخل الدول العربية في الشؤون الداخلية الفلسطينية، إضافة إلى حرص الشعب الفلسطيني وقيادته وقواه على الدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها والتنمية والعدالة والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
في هذا السياق، فإن ما ينطبق على مصر من سياسة «النأي بالنفس» التي تتبعها المنظمة ينطبق على سورية والعراق واليمن وليبيا، فلا ينفع أن تكون قيادة المنظمة مع الحياد في سورية ومع «عاصفة الحزم» و»حماس» مع الشرعية اليمنية.
ثالث قضية تعترض اجتماع الإطار القيادي أن «فتح» تعتقد بأن المنظمة - الإنجاز التاريخي الأهم الذي حققه الشعب الفلسطيني في ظل قيادتها - هي آخر المؤسسات الموحدة التي تقودها «فتح» من دون منافس جدي، وليس من المحتمل السماح بإدخال منافستها الرئيسية «حماس» في نفس الوقت الذي تسيطر فيه على قطاع غزة، ولا تخفي نواياها في أحيان ليست نادرة بالسيطرة على مصادر القرار والقيادة في السلطة والمنظمة.
لذا إذا أردنا إقناع «فتح» بفتح أبواب المنظمة أمام «حماس»، وإذا أردنا إقناع «حماس» بالتخلي عن السلطة في غزة، فلا بد أن يكون ذلك في إطار رؤية جديدة واتفاق يشمل «ركائز المصلحة الوطنية العليا» (الميثاق الوطني) والبرنامج الوطني وأسس الشراكة التي تضمن مشاركة مختلف ألوان الطيف السياسي في سياق تطبيق ديمقراطية توافقية تناسب الخصوصية الفلسطينية التي تقوم على أن فلسطين في مرحلة تحرر وطني، والأولوية لإنهاء الاحتلال وهزيمة المشروع الاستعماري الاستيطاني.
الخلاصة مما تقدم تفيد بتعذر الاتفاق على عقد الإطار القيادي المؤقت، أي على شيء بمعزل عن الاتفاق على كل شيء، لأن المسائل والقضايا مرتبطة ببعضها البعض. يمكن ويجب أن يشمل الاتفاق قضايا عدة كرزمة واحدة، على أن يتم تطبيقها على مراحل وضمن جدول زمني يتم الاتفاق عليه.
أي وحدة وطنية حقيقية تتطلب أولًا إعادة بناء وإصلاح مؤسسات منظمة التحرير بما يتناسب مع الحقائق الجديدة والخبرات المستفادة، وبما يضمن مشاركة مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، بما في ذلك الشتات والمرأة والشباب.
نقطة البدء منظمة التحرير كونها المرجعية السياسية العليا والممثل الشرعي الوحيد والشرعية المعترف بها فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا، وقدرة إسرائيل على التأثير عليها وعلى قراراتها أقل من قدرتها على السلطة، خصوصا إذا قررت – كما مفترض- توزيع قياداتها ومؤسساتها بين داخل الوطن وخارجه، على أن يكون هناك جزء مهم منها في غزة، لأن الاحتلال فيها يأخذ شكل الحصار والعدوان والتوغلات، أي مختلف عن احتلال الضفة المباشر.
ونقطة البدء في المنظمة تكون في تفعيل الإطار القيادي المؤقت المنصوص عليه في «اتفاق القاهرة»، الذي ينص على تفعيل «لجنة المنظمة» باعتبارها إطارًا قياديًا مؤقتًا؛ قراراته غير قابلة للتعطيل بما لا يمس صلاحيات اللجنة التنفيذية للمنظمة إلى حين إجراء انتخابات المجلس الوطني.
لم يتم عقد الإطار القيادي المؤقت سوى مرتين أو ثلاثة بشكل متباعد، ودون أن يأخذ صلاحياته المتفق عليها، وبرغم النصّ على عقده في غضون خمسة أسابيع من توقيع «إعلان الشاطئ»، فما الذي أعاق عقده رغم دعوات «الكل» الفلسطيني إلى ذلك؟ وبرغم أن عقده يوفر المؤسسة الوطنية الجامعة التي يمكن أن تنظم الحوار الوطني الشامل وتتحمل المسؤولية عن اتخاذ القرارات بما يتعلق بمختلف شؤون الشعب الفلسطيني.
يقول المقرّبون من الرئيس: إنه أرسل رسالة إلى مصر بعد «إعلان الشاطئ» يطلب فيها عقد اجتماع للإطار القيادي المؤقت، إلا أنه لم يتلق ردًا مكتوبًا، وأتت الإجابة بأنّ القاهرة ترحب بعقده ولكن من دون مشاركة خالد مشعل؛ بسبب الخصومة بينه وبين القيادة المصرية، وهذا يعني تعذر عقد الاجتماع لأن حماس لن تشارك فيه من دون رئيسها. كما لا يمكن عقد الاجتماع في غزة لاقتضائه حضور قيادة حماس من قطر إلى غزة عبر مصر.
في ضوء ذلك، كانت هناك اقتراحات بعقد الإطار القيادي في الكويت عندما كانت ترأس القمة العربية، أو في مقر الجامعة العربية بوصفها بيت العرب، أو في عمان لأن فيها مقر المجلس الوطني، أو في الجزائر لأنها على علاقات جيدة مع مختلف الأطراف. ونقطة ضعف هذه الاقتراحات أنها تتعامل مع مسألة عقد الإطار القيادي وكأنها فنية تتعلق بإيجاد مكان، وليس بوصفها سياسية تتعلق بقضايا عدة من دون حلها لا يمكن إحراز النتيجة المتوخاة.
القضية الأولى التي تعيق عقد الإطار القيادي المؤقت، وهي من الأسباب التي تقف دون توجه الرئيس جديًّا لعقده تتعلق بمدى الاستعداد لتحمل عواقب انضمام «حماس» والجهاد لجهة احتمال سحب الاعتراف الأميركي والإسرائيلي، وربما الأوروبي والدولي بالمنظمة، وفرض عقوبات أخرى عليها، لأن هناك موقفا دوليا يطالب بموافقة «حماس» والجهاد على شروط «اللجنة الرباعية» قبل اشتراكهما في حكومة وحدة وطنية أو في المنظمة. وسبق أن تعطّل الحوار الوطني الفلسطني في القاهرة العام 2009 على خلفية عدم موافقتهما على شروط «اللجنة الرباعية»، وفُرِضت المقاطعة لنفس السبب على حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت بعد «اتفاق مكة» العام 2007.
هناك رأي يستحق النقاش حول أن الظروف الآن مختلفة عما كانت عليه خلال الفترة (2007-2009)، بسبب وجود أوهام آنذاك حول إمكانية استئناف المفاوضات الثنائية ووصولها إلى اتفاق، وكان يُنْظر إلى المصالحة الفلسطينية وقتها بوصفها عاملًا مساعدًا لإطلاق عملية التسوية وسحب الذريعة من يد الحكومة الإسرائيلية التي تقول بعد الانقسام بعدم وجود شريك فلسطيني، بحجة أن الرئيس أبو مازن لم يعد يمثل الفلسطينيين جميعًا وسلطته لا تحكم غزة.
الآن، وبعد نتائج الانتخابات الإسرائيلية، لا توجد أوهام حول استئناف المفاوضات الثنائية، والموقف الأوروبي والدولي أقل تصلّبًا بخصوص انضمام «حماس» و»الجهاد» إلى المنظمة، ولكن ظهرت أوهام جديدة حول فرض حل دولي على الطرفين من خلال مفاوضات تعقد في إطار مؤتمر دولي ووضع سقف زمني لإنهاء الاحتلال، وما يعنيه ذلك من إعطاء هامش حركة للقيادة الفلسطينية للمساهمة في ذلك؛ الأمر الذي يعيقه انضمام «حماس» و»الجهاد» إلى المنظمة من دون الموافقة على شروط الرباعية الظالمة والمجحفة بحق الشعب الفلسطيني.
هناك اجتهاد لحل هذه المعضلة من خلال التمييز بين انضمام «حماس» والجهاد إلى الإطار القيادي المؤقت وبين انضمامها إلى المنظمة، أي أن حضور اجتماعات الإطار المؤقت لا تعني دخولًا فوريًا إلى المنظمة، وأنّ اللجنة التنفيذية ستبقى صاحبة القرار والشرعية إلى حين إجراء انتخابات المجلس الوطني وتشكيل المؤسسات الجديدة، أي أن الإطار القيادي يجتمع ويتوافق على القضايا، ولا تصبح نافذة إلى عندما تقرّها اللجنة التنفيذية. هل سيقبل حكام واشنطن وتل أبيب بهذه الصيغة، وهل سيبقى القرار رهنًا لذلك، أم آن الأوان لاعتماد مقاربة جديدة بعيدًا عن الرهانات الخاطئة.
وسواء إذا كانت هذه الصيغة كافية أم لا، وهي يمكن أن تكون مخرجًا مؤقتًا، ولكنه لا يغني من الاتفاق على رزمة كاملة، تضم الاتفاق على برنامج سياسي للسلطه/الدولة، يتضمن الحفاظ على الحقوق الوطنية، ويستند إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، واحترام الاتفاقات المبرمة إذا احترمتها الحكومة الإسرائيلية من دون الالتزام بشروط اللجنة الرباعية. مع العلم أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تجاوزت هذه الاتفاقات كليًا، على الأقل، منذ اغتيال إسحاق رابين وحتى الآن، ولم يبق من هذه الاتفاقات سوى الالتزامات الفلسطينية.
أما القضية الثانية فتتمثل بالمعارضة المصرية لعقد الإطار القيادي في ظل الخصومة بين مصر و»حماس». وهنا لا ينفع الاستخفاف أو التذاكي والبحث عن مكان لعقده، لأن أبو مازن لن يجازف بإغضاب مصر الراعية لاتفاق المصالحة وصاحبة الثقل الكبير والدور المهم في القضية الفلسطينية وبحكم الموقع الجغرافي لها.
ويتمثل المخرج المناسب بإيجاد حل لهذه الخصومة (المصرية الحمساوية) من خلال إيجاد مسافة كافية بين «حماس» وجماعة الإخوان المسلمين التي تحارب النظام المصري، بوصفها جزءًا من الحركة الوطنية الفلسطينية، المطالبة بحكم عدالة القضية الفلسطينية وحاجتها وقدرتها بالحصول على دعم جميع الأطراف العربية مهما بلغت الخلافات فيما بينها، وهذا يقتضي عدم التدخل في الشؤون الداخلية العربية، والاعتراف بالرؤساء والحكام الحاليين باختيار أو من دونه من الشعوب العربية؛ مقابل عدم تدخل الدول العربية في الشؤون الداخلية الفلسطينية، إضافة إلى حرص الشعب الفلسطيني وقيادته وقواه على الدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها والتنمية والعدالة والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
في هذا السياق، فإن ما ينطبق على مصر من سياسة «النأي بالنفس» التي تتبعها المنظمة ينطبق على سورية والعراق واليمن وليبيا، فلا ينفع أن تكون قيادة المنظمة مع الحياد في سورية ومع «عاصفة الحزم» و»حماس» مع الشرعية اليمنية.
ثالث قضية تعترض اجتماع الإطار القيادي أن «فتح» تعتقد بأن المنظمة - الإنجاز التاريخي الأهم الذي حققه الشعب الفلسطيني في ظل قيادتها - هي آخر المؤسسات الموحدة التي تقودها «فتح» من دون منافس جدي، وليس من المحتمل السماح بإدخال منافستها الرئيسية «حماس» في نفس الوقت الذي تسيطر فيه على قطاع غزة، ولا تخفي نواياها في أحيان ليست نادرة بالسيطرة على مصادر القرار والقيادة في السلطة والمنظمة.
لذا إذا أردنا إقناع «فتح» بفتح أبواب المنظمة أمام «حماس»، وإذا أردنا إقناع «حماس» بالتخلي عن السلطة في غزة، فلا بد أن يكون ذلك في إطار رؤية جديدة واتفاق يشمل «ركائز المصلحة الوطنية العليا» (الميثاق الوطني) والبرنامج الوطني وأسس الشراكة التي تضمن مشاركة مختلف ألوان الطيف السياسي في سياق تطبيق ديمقراطية توافقية تناسب الخصوصية الفلسطينية التي تقوم على أن فلسطين في مرحلة تحرر وطني، والأولوية لإنهاء الاحتلال وهزيمة المشروع الاستعماري الاستيطاني.
الخلاصة مما تقدم تفيد بتعذر الاتفاق على عقد الإطار القيادي المؤقت، أي على شيء بمعزل عن الاتفاق على كل شيء، لأن المسائل والقضايا مرتبطة ببعضها البعض. يمكن ويجب أن يشمل الاتفاق قضايا عدة كرزمة واحدة، على أن يتم تطبيقها على مراحل وضمن جدول زمني يتم الاتفاق عليه.