طلبة المدارس يحجِبون أسماء أمهاتهم!

ريما كتانة نزال
حجم الخط

الحوار متشعب ومتجدد في أجندة الأستاذ «زياد خداش»؛ مع تلامذته. لا ينتهي عمله بانتهاء حصته المخصصة في تدريس الكتابة الابداعية، بل يمطُّها لممارسة مسؤوليته كمثقف عضوي، لا يكتفي بالمنابر والأبراج العاجية، يوظِّف وظيفته في خدمة التغيير، التأثير في الواقع، توجيه طلبته نحو الفضاء الحر، توفير متطلبات تمكين الطلبة من مقاربة العناوين الاجتماعية الخطرة، إحداث التحول في المسار، باعتبار الواقع واستدامته؛ ليس قدراً.
في إطار عمليات كَشْط سطح جلد طلبته، سيكتشف الأستاذ القلق، امتناع طلبته عن ذكر أسماء أمهاتهم. هم ليسوا الاستثناء، انها ظاهرة منتشرة لدى جميع طلبة المدارس، قناعة راسخة وعقيدة ثابتة. المرأة ابنة وكريمة أحدهم عزباء، تنتقل إلى وضع الزوجة في مرحلة تنسيب تالية، ومن تُنَسَّب إلى ابنها كأم. في جميع المراحل لا تستقل باسمها كهوية وكيان. 
تراوحت أعمار الطلبة المبحوثين الذين شاركت في حوارهم؛ بين 12 إلى 15 سنة، من الصف الخامس وحتى الثامن؛ الأساسيين. بمعنى أنهم يمثّلون عينة مثالية؛ تنطبق على جميع المدارس؛ إن لم نعتبرهم يمثلون فكر المجتمع، مرآته العاكسة، حقيقية وصادقة. ثلث الطلبة أفصحوا فوراً دون تردد عن أسماء أمهاتهم، بينما عبّرت أكثرية الثلثين؛ رفض ذكر أسماء أمهاتهم، إصرارا وعنادا.
المناظرة بين الفريقين حول إخفاء أسماء أمهاتهم اتخذت عناوين الخلاف الكبيرة في الخطاب الاجتماعي الفلسطيني، التفسيرات والمبررات، قائمة المحرمات والممنوعات، خلطة جاهزة تتكئ على الدين، منكّهة بالعادات والتقاليد والسلوكيات السلبية، خلطة مستدامة وثابتة لا تتأثر بتغيُّر الزمان والأدوار والاحتياجات والمتطلبات. قالوا: اسم الأم عورة، مساس بالعرض والشرف، العيب والحرام، الخشية من الهزء والسخرية، الشعور بالأمن والأمان في الشارع، هكذا فسّرَ الطلبة مواقفهم ودوافعهم من إخفاء أسماء أمهاتهم. لا رابط في ذهنهم بين امتلاك الاسم والحق والكرامة والهوية.
الاسم عورة، مفهوم العورة يتمدد على جميع أجزاء الجسد الأنثوي ومتعلقاته، من قمة الرأس إلى أخمص القدمين. تحجيب الرأس والصوت والاسم، كيف وصلت الأمور إلى هذه الدرجة من التشوش والشكوك، لأن الأمر كله متروك على طبيعته وميكانيزماته. الجنس يحضر بقوة في كل ما يتعلق بالمرأة. يُحقن الأبناء باختزانات المجتمع البالية. تحجيب الاسم أسوة بتحجيب الشَعْر، وكل ذلك يعني: تحجيب الفكر أو خنقه بالخوف.
فرخ البط عوّام، تنتقل القيَم من جيل لآخر، جميع المؤشرات تستدعي عمليات الربط، إخفاء أسماء المرشحات في بعض القوائم الانتخابية، استبدال صورهن بوضع الرموز، ضمم الورد وأسراب الطيور. العادات تُوَرَّث للأبناء دون موانع، في ظل فراغ وغياب الخطط التي تربط بين الرؤية والأهداف المتبناة نظرياً فحسب، أيعقل أن نجد صورة امرأة في منهاج الدين المخصص للصف الرابع الأساسي، على هيئة ساحرة تمسك المكنسة. ألا يجب أن نستفسر من واضعيها ومقرريها عن المغزى الذي يتوخونه، عن الرسالة التي يوجهونها للطلبة الصغار، عن تناقضها وعدم اتساقها مع التزاماتنا وانضمامنا وتبنينا لمعايير نبذ التمييز.. ومقارباتنا مع شرعة حقوق الإنسان.
 مطلوب: التصدي وكبح جماح التدهور الثقافي في المجتمع، الاشتباك مع الفكر التقليدي المغلق. إن الاكتفاء برصد بعض المظاهر والمبادرات الثقافية والنوم على حريرها غير كافٍ، كونها محصورة في رام الله؛ علاوة على محدوديتها حتى في رام الله. اكتفاء المثقفين بالتعليق على المنابر لا يكفي، المطلوب العمل والحوار المفتوح مع البنى السياسية والرسمية، الاشتباك مع الفكر التقليدي لتغييره، التعامل مع المناهج الدراسية، كونها حجر أساس وفاعلا رئيسيا في عملية التغيير وتنشئة المستقبل. علينا أن نقلق، سر التطور والتغيير.
الإنذارات حولنا تقرع الأجراس دون توقف، لا أحد يشتبك أو مستعد للاشتباك مع المأزق العالقين فيه، تدهور الثقافة والقيم، الاستسلام لتعطل جميع الآليات الحوارية وجمودها، جمود العقل والفكر الجامد. على اعتبار أنها ليست أولوية، وأن البعض يتعامى عنها على اعتبار أنها حوادث عادية، متنحية وفالتة، وفي حال لفتت النظر والتمعن، يرى أن حلها وتفكيكها سيأتي مع الحل السياسي الدائم!