منذ البداية قلت إنك منحاز لنا، ونحن شركاؤك، تعرف همومنا، وتدرك معنى الألم، والجوع، هل أذكرك بحديث «هياكل الفراخ»، والدموع التى ذرفتها، كلامك عن الفقراء وحقهم فى العيش الكريم، ومصر أم الدنيا اللى حتبقى «أد» الدنيا!!
كانت الآمال عريضة، والأمانى كبيرة، عشنا معك الحلم، فرحنا للمشروعات الكبيرة، للتخطيط الاستراتيجى، لقناة السويس الجديدة، للإسكان الاجتماعى، لسبعة آلاف كيلومتر من الطرق، ومئات الكبارى التى أعادت لمصر وجهها الحضارى، للمليون ونصف المليون فدان، للمزارع السمكية، للضبعة والمفاعل النووى، لشبكات الكهرباء التى ابتلعت مئات المليارات.. هللنا، وكتبنا أحلى القصائد، لمصر التى عادت من جديد، تبنى وتخطط للمستقبل، للبيئة الجاذبة للاستثمار، لوطن يفخر به المصريون، مضيت شرقاً وغرباً، فكانت «الرافال» و«الميسترال» و«الفرقاطة» وأسلحة عديدة قفزت بجيش مصر العظيم، خطوات إلى الأمام.
لم تترك مليماً واحداً يذهب إلى الجيوب الفاسدة، كنت تفاصل على الجنيه، وكأنك تاجر شاطر، كان المقاولون ورجال الأعمال يشكون منك، ولا يجدون أمامهم من مفر سوى التنازل عن بعض حقوقهم من أجل مصر، اتفقت مع قادة الجيش على أن يتصدروا مشهد البناء، وأن يتحملوا تبعات المشكلات المزمنة، يد تبنى ويد تحمل السلاح..
لقد رأيت فى رأس غارب كيف يتصدى الرجال، شاهدت اللواء كامل الوزير يغوص مع الناس فى الطين والأوحال، رجاله ينتشرون فى كل مكان، الناس يهتفون لجيش مصر العظيم، وكيف أنقذهم من الموت والدمار، فى رأس غارب، وقنا، وسوهاج، فى كل أزمة يكون الجيش العظيم حاضراً..!!
أتذكر كلماتك فى نادى الجلاء فى 31 أكتوبر 2013، ونحن نلح عليك ونطلب منك أن ترشح نفسك لرئاسة الجمهورية، يومها سألتنا بوضوح: هل ستقفون معى؟ قلنا بصوت واحد: نعم. قلت: أنا أصحو الخامسة صباحاً. قلنا: ونحن معك، لن تخذلونى؟ قلنا: لن نخذلك.. لم تعطنا إجابة واضحة، انتظرت وتأملت المشهد جيداً، قلت إن الوضع صعب، والأزمة الاقتصادية مستحكمة، كانت الأرقام مرعبة: عجزاً فى الموازنة، وديوناً، نقصاً فى الإمكانات، وانفلاتاً قيمياً، فساداً منتشراً فى الجهاز الإدارى وبلا حدود، دولة متهالكة، ومؤسسات منهارة، وصفتها بأنها «شبه دولة»، والحقيقة أن الدولة الحقيقية كانت قد تآكلت منذ سنوات طويلة مضت، قلنا لك: ولا يهمك، سنتحمل معك المستحيل، سنتقاسم كسرة الخبز، ولن ننسى لك وقفتك فى الثالث من يوليو، وإنقاذ مصر من جماعة الإرهاب، وشبح الحرب الأهلية، التى قد تقود البلاد إلى السيناريو السورى أو الليبى أو العراقى.
خرجنا فى المظاهرات نهتف لك، ندعوك إلى الترشح، قلت لنا سأنتظر الموقف فى 25 يناير، وخرجنا فى الميادين نهتف ونناشد، عرضت الأمر على المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى السابع والعشرين من يناير، وبعدها كان القرار الذى لم يعلن إلا فى السادس والعشرين من مارس من العام 2014.
هل تتذكر ساعة الخروج إلينا بعد اجتماع المجلس العسكرى بحضور الرئيس المؤقت عدلى منصور؟ كادت الدموع تنهمر من عينيك وأنت على وشك أن تخلع البدلة العسكرية حلمك الأبدى، قلت لنا يومها: «إن أول أهدافك هو إعادة بناء مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية والأمنية» تحدثت عن العقد الاجتماعى بين الحاكم والمحكوم، كلمات واضحة، وآمال طموحة، وإمكانات تكاد تكون منعدمة..
تحملناك وأنت ترفع سعر الوقود فى بداية حكمك، لم يكن أمامك خيار، العجز فى الموازنة يتزايد، الأرقام تصدم، السياحة تكاد تنعدم، الحصار الاقتصادى والحرب التى تشنها أمريكا والغرب تتصاعد، كنت تدرك أن الثمن المطلوب هو التبعية، تبعية القائد وتبعية القرار، رفضت، أعلنت التحدى، وكررت مقولة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر: «نسالم من يسالمنا ونعادى من يعادينا»!!.
اندهش الجميع فى الداخل والخارج، من أين لهذا القائد بكل هذه القوة، لاحظ «يا سيسى» أنك تتحدى أمريكا، وكل من وراء أمريكا، تكتيكاتك بارعة، تجيد فن المناورة، تطلق قدميك نحو الشرق، تحصل على مصادر جديدة لتنويع السلاح، روسيا، الصين، فرنسا، وغيرها، ألا تعرف أنك تتحدى صناع القرار فى واشنطن؟! ألا تدرك أنك بذلك تهدم استراتيجية تربت عليها أجيال عديدة «التبعية السياسية والاقتصادية»، كثيرون نسوا أو تناسوا حكاية «القرار الوطنى المستقل»!!. هل تتذكر يوم أن فاجأت الجميع وعلى رأسهم الأمريكان بضرباتك الموجهة لتنظيم «داعش» الإرهابى فى «أجدابيا» الليبية بعد ذبح 22 مصرياً على يد التتار الجدد؟ لقد راحت أمريكا تستنكر، وتطلق إعلامها للحديث عن التدخل، والحقيقة كان السؤال المحير لهم والذى لم يجدوا له إجابة حتى الآن: كيف فعلها دون استئذان؟!
لم تعط بالاً لأحد، كان أمن مصر القومى، وأمن بلد عربى شقيق هو المقصد، والعنوان، وغير ذلك فلتنبح الكلاب الضالة، كيفما تشاء!!
أدرك الجميع أنهم أمام رجل من طراز خاص، متيم هو بعبدالناصر وبكتابات محمد حسنين هيكل، عنيد فى الحق، يعتز بأنه حاكم لبلد يعرف تاريخه جيداً.
حاولوا كثيراً، انتظره أوباما، جلس معه، يستمع إليه على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة فى أول زيارة له إلى أمريكا بعد تولى منصبه، امتد اللقاء لأكثر من ساعة ونصف الساعة، وبعدها أدرك أنه أمام قائد مختلف، ورجل يتكلم ويتحرك بوزن وطن، يضرب بجذوره لأكثر من سبعة آلاف عام.
لم يستسلم أوباما ولا أتباعه، حاولوا، دعموا الإرهاب وأطلقوا المتآمرين، لكن جيش مصر وشرطة مصر وشعب مصر كانوا بالمرصاد، واجهوا، تحمّلوا، دفعوا من دماء أبنائهم الكثير، فكانت خطة إحكام الحصار الاقتصادى، لعب البريطانيون فيها الدور الأكبر!!
نعرف ذلك، وندرك خطورة ومعنى الحصار، الأزمة تتفاقم، العجز فى الموازنة العامة يتعدى الـ 300 مليار جنيه، فوائد الديون تصل إلى 320 ملياراً سنوياً، الرواتب، الدعم، وغيره وغيره، 80 ٪ من الموازنة العامة يذهب بعيداً، كل المتبقى فقط 200 مليار جنيه للخدمات والصحة والتعليم والإنفاق الحكومى وهلم جرا.. العملة الصعبة ندرت، التزامات الدولة من السندات الدولارية والشركاء الأجانب تهددنا، السلع الغذائية المستوردة تهددنا، بالكاد تم توفير 1.800 مليار دولار لاستيراد حاجة البلاد الملحة من الغذاء، ولكن ماذا بعد ذلك؟ من أين تأتى العملة الصعبة؟ لا خيار أمامنا سوى قرض الصندوق، سندات دولارية بـ 6 مليارات دولار أو 4 مليارات أخرى من صندوق النقد والبنك الأفريقى والبنك الدولى.
جاءت الإشارات من صندوق النقد، أنتم تتلكأون، لا تريدون تنفيذ ما جرى الاتفاق عليه، لكن شروط الصندوق صعبة، الدولار يتصاعد، والجنيه يهبط، منذ قليل وصل الدولار إلى نحو 18 جنيهاً، لو تمكن من عبور الحاجز العشرين جنيها، انس!!
لم يكن أمامه سوى اتخاذ القرار، الصعب، حزمة من القرارات أوجعت الفقراء، وألحقت الطبقة المتوسطة بهم، تزايدت الآلام فى الشارع، عَمّ السخط، انطلقت مواقع الإخوان من كل اتجاه، تحرض الناس على الخروج فى 11/11 لقد غامر السيسى بشعبيته، قال البعض إنه قرر الانتحار بيديه وبإرادته..
قالوا له أنت تعطى الوقود لمؤامرة الإخوان فى 11/11. قال بكل هدوء وبساطة، وهل يخرب المصريون بلدهم بأيديهم؟ أين المفر؟ ومن يضمن للوطن أن يتعافى مرة أخرى، القضية ليست فى القرارات، ولا فى بقاء السيسى من عدمه، القضية فى الواقع المر الذى نعيشه جميعاً، وفى محاولة كسر إرادة الوطن، لقد اخترت الموعد قبل 11/11 بأسبوع لتقول للناس «أنا لا يهمنى الكرسى ولن أخدعكم، أنا يهمنى بقاء الوطن، وإذا رأيتم إبعادى عن الحكم أهلاً وسهلاً!!».
أعود إليك مرة أخرى سيادة الرئيس، لقد ركبت الصعب، والأمواج العاتية، وقررت أن تتصدى، ولم تضع مصلحتك الشخصية فوق كل اعتبار، رهانك هو على الوطن وعلى الناس وقلت للجميع: حتى لو كنت أنا «الضحية» لكن مصر هى الأساس.
المصريون وطنيون بالفطرة، قد يغضبون، ويسبون فى الشوارع ومن على شاشات الفضائيات ومواقع التواصل، ولكن ساعة الجد يتحولون إلى جنود وحراس لهذا الوطن، ويرفضون المساس به..
إن حرص المصريين على بلدهم، يجب أن يقابل بإجراءات تخفف من عبء الأزمة فى زيادة الحد الأدنى للأجور، وزيادة حد الإعفاء الضريبى للموظفين، وزيادتها للأغنياء، والاهتمام بالصحة والتعليم وشبكات الأمان الاجتماعى والبطالة.
مصر تنتظر منك الكثير، مصر تنتظر رجالاً يحملونها على أكتافهم، يتحملون عبء مشكلات شعبها، بنفس الروح وبذات القدرة، عليك أن تضرب الشللية التى تحاول أن تنشأ فى أكثر من مكان، عليك بأهل الخبرة، والانفتاح على الجميع، الناس يثقون بك أنت، وستبقى إلى جوارك، ولكن يا سيادة الرئيس عليك أن تطهر السلطة من الانتهازيين، والذين غابت ضمائرهم، وتراخت عزائمهم، وأصبحوا عالة عليك وعلى الوطن.
هؤلاء هم الأخطر عليك وعلى الوطن، لأنهم يريدون مصر «عزبة» لهم ولمصالحهم، وينسون القَسَم، التغيير مطلوب وعلى أوسع نطاق، لا تؤجل قرار اليوم إلى الغد، البطء يقتل الأمل عند الناس، وشعبنا يحتاج إلى الأمل مجدداً، هذا الشعب العظيم الذى خرج يطالب ببقاء القائد جمال عبدالناصر بعد هزيمة 67 هو نفسه المستعد للتحمل برغم الألم، فقط يحتاج إلى بعث الأمل من جديد!.
عن الوطن المصرية