الفلسطينيون بين خداع الديمقراطيين وصلف الجمهوريين..!

أكرم عطا الله
حجم الخط

لا شك أن القيادة الفلسطينية بجميع دوائرها بدءا من الرئاسة وانتهاء بكل المشتغلين بالسياسة، لم يكونوا ينتظرون فوز الجمهوري دونالد ترامب بالرئاسة، بل إن السياسة الناعمة التي اتبعتها الادارة الديمقراطية المغادرة كانت الى حد ما مصدر ارتياح، فقد تمكن الفلسطيني أثناء ولايتيها من التحرك في المؤسسات الدولية والذي بلغ ذروته بحصول الفلسطينيين على عضوية غير كاملة بالأمم المتحدة، وأيضا لأن تلك الادارة ظلت منذ ثمانية أعوام بما يشبه الاشتباك الدائم مع بنيامين نتنياهو الذي ظل يعد السنوات بانتظار رحيلها بعد ارغامه من قبلها ذات يوم على تجرع الموافقة على حل الدولتين وكذلك وقف الاستيطان لعشرة أشهر.
الحقيقة التي تتبدى للوهلة الاولى أن الادارة الديمقراطية أقرب للملف الفلسطيني منها للجمهوريين، وقد عزز ذلك رحلة المفاوضات الطويلة خلال ربع القرن الأخير، فقد وضعت الادارات الديمقراطية عملية التسوية على الطاولة، وبذلت جهودا أكبر من الادارات الجمهورية في هذا الملف منذ الرئيس بيل كلنتون الذي أشرف على رعاية العملية في تسعينات القرن الماضي، وكان أول رئيس أميركي يزور الاراضي الفلسطينية آنذاك، وانتهاء بقمة كامب ديفيد التي دعا اليها نهاية ولايته.
لاحقا أيضا تلقى الملف الفلسطيني رياح اسناد جديدة مع وصول الرئيس باراك أوباما قبل ثمانية أعوام تمثل بخطابه الذي ألقي في جامعة القاهرة بعيد تسلمه الرئاسة والذي أعطى خلاله ما يكفي من الأمل للفلسطينيين بالحديث عن المستقبل والدولة الفلسطينية، بل وذهب بعيدا الى جانب الفلسطينيين بحسمه المسبق لخيار المفاوضات وحدود الدولة الفلسطينية بالتأكيد على حدود عام 67 وهو ما جعل عضو لجنة تنفيذية آنذاك في أول زيارة له للولايات المتحدة وجس نبض ادارة اوباما يندفع للقول «لقد أشرقت شمس الفلسطينيين، معتقدا أن الأمور قاب قوسين أو أدنى من الدولة أو أن الدولة على مرمى حجر.
لقد شهدت الحالة الفلسطينية قدرا من الحراك السياسي التفاوضي أثناء ولايتي الرئيسين كلنتون واوباما، لكن الحقيقة الماثلة أمامنا بعد كل هذا الحراك الذي امتد لسنوات هو أنه لم ينتج ما يلبي الحد الأدنى من طموحات الفلسطينيين، بل إن بعض الكتاب الاسرائيليين وصفوا الرئيس كلنتون بأنه لم يكن أكثر من ساعي بريد لايهود باراك خصوصا في كامب ديفيد صيف 2000 ذلك الجنرال الذي ذهب للقمة لخداع الفلسطينيين والعالم، وقد تمكن من ذلك بمساعدة الرئيس الديمقراطي آنذاك، وأبرز الكتاب كان الدكتور آفي شلايم في مقال له بعيد القمة شن خلاله هجوما حادا على باراك الذي تسبب بافساد فرصة التسوية بعنوان «باراك ..نابليون اسرائيل الصغير».
كذلك انتهت ولاية أوباما الذي بدا صارما في البداية خصوصا في اللقاء الأول الذي جمعه بنتنياهو في حزيران 2009 وحين عاد نتنياهو الذي حمل الملف الايراني ليقنع الرئيس الأميركي بتبني الأولويات الاسرائيلية ليفاجأ برئيس قوي وعنيد لديه اصرار على أن يؤدي نتنياهو «واجبا منزليا» وهو الملف الفلسطيني، ولكن في نهاية الولاية في العامين الأخيرين بدت ادارة أوباما باهتة عاجزة تقف متفرجة على تسارع المشروع الاستيطاني الذي لم يتوقف اطلاقا في عهدها، وهي تعلم تماما أن ما يجري على الأرض هو تدمير ممنهج لحل الدولتين وانعدام لأية امكانية لاقامة دولة فلسطينية لا في حدود 67 ولا غيره، وظهرت الادارة كأن لا حول لها ولا قوة ..مجردة من الأنياب والمخالب والأطراف حتى لتدافع عن هيبتها ..ظهرت كالحمل الوديع أمام غطرسة الحكومة الاسرائيلية.
منذ أن قلب نتنياهو الطاولة في آخر مفاوضات هندستها ادارة أوباما باشراف مباشر من وزير خارجيتها جون كيري الذي ترك مسؤولياته الدولية وتفرغ للمفاوضات، لم تتخذ الادارة الاميركية أي اجراء عقابي ضد الحكومة الاسرائيلية ورئيسها، انسحبت بهدوء باحثة عن انجاز في الملف الايراني، وقد تمكنت من تحقيق ذلك وأبقت على وئامها مع الحكومة الاسرائيلية، ولم تجرؤ حتى على الاعلان عن مسؤولية تلك الحكومة عن فشل المفاوضات، ألقى كيري خطابا أمام الكونغرس اعترف فيه بذلك وأطلقت عليه الصحافة الاسرائيلية خطاب الـ «بوم» الذي وصف فيه كيف فجرت اسرائيل المفاوضات لكن في العلن ابتلعت المنجل.
ادارة الجمهوريين الأخيرة «ادارة بوش هي من اباح دمنا في الشوارع عندما أطلقت العنان لشارون في الانتفاضة لاجتياح الضفة ولا يمكن اخلاء مسؤوليتها عن قتل الزعيم ياسر عرفات، فتلك المكالمة التي تم تسريبها والتي كان يطلب خلالها شارون من بوش اعطاءه الاذن بقتل عرفات ليرد بوش قائلا «دع الله يتكفل بذلك» فيجيبه شارون «لكن الله يحتاج الى مساعدين على الأرض للتنفيذ» ما فهم منها ضوء أخضر أميركي لارتكاب الجريمة.
لكن بالمقابل كان للجمهوريين سبق البدء بمشروع المفاوضات منذ مدريد التي عارضتها اسرائيل الليكود حينها، ونذكر كيف أرغمت ادارة بوش الأب اسحق شامير على حضور المؤتمر وكيف أوقفت الادارة الجمهورية حينها مبلغ العشرة مليارات دولار التي كانت ستذهب لاسكان يهود الاتحاد السوفييتي وتذهب للمستوطنات ما أرغم شامير على الانصياع.
كذلك كان السبق للادارة الجمهورية برئاسة بوش الابن باقرار حل الدولتين، وكان الرئيس الأول في العالم الذي يتحدث عن الدولة الفلسطينية وحق الفلسطينيين بها، وذلك في الخطاب الشهير «حزيران 2004» ثم بدأ بعده قادة العالم يتسابقون للحديث عن الدولة الفلسطينية.
بين الديمقراطيين والجمهوريين عاد الفلسطينيون بخفي حنين على امتداد العقود القليلة الماضية منذ بدء التسوية التي تقلبت عليها أربع ادارات كل منها لولايتين كاملتين وزعت بالتساوي بين الديمقراطيين والجمهوريين ..لا شيء تحقق. كانت الادارة الجمهورية أكثر حسما ووضوحا سواء بالتفاوض أو بالحرب واغتيال الزعيم عرفات وادارت الادارات الديمقراطية مراوغة لم يتحقق منها سوى قضايا شكلية لكن على الأرض كان الوضع يزداد سوءا، ولا ننسى استخدام ادارة أوباما للفيتو ضد مشروع وقف الاستيطان .
السؤال الأهم ..هل الوضع الفلسطيني بكل هذا الترهل والخلافات والانقسام مؤهل لتحقيق انجازات ؟ وهل سيكون الأميركيون بثنائيتهم أكثر حرصا على الفلسطينيين من الفلسطينيين الذين يبددون انجازاتهم وينشغلون بخلافاتهم وانقسامهم؟ ليس السؤال المركزي أية ادارة أميركية يتم انتخابها؟ بل السؤال أي وضع فلسطيني لدينا يمكن الاتكاء عليه لارغام أية ادارة أميركية لممارسة ضغطها على اسرائيل؟ ..وأي وضع عربي مساند في ظل هذا الانهيار العربي؟.. الأمر لا يتعلق بالأميركيين وحدهم بل يتعلق بنا نحن..!