ألقى الرئيس محمود عباس مساء الأربعاء خطابا أمام المؤتمر السابع لحركة فتح، كان الخطاب الأطول للرجل في مسيرته القيادية، حيث تجاوز الساعات الثلاث ، وتميز رئيس حركة فتح بالحيوية والنشاط طيلة زمن إلقاء خطابه، لا بل كان بين الفينة والأخرى يجدد نشاط وويقظة أعضاء المؤتمر والضيوف الموجودين ببعض القفشات خفيفة الظل.
خطاب الرئيس عباس لم يحظَ بالقبول من العديد من المراقبين والقوى، وأعتبره البعض تكرارا لمواقف سابقة، ولم يحمل جديداً، وبالتالي لم يكن هناك ضرورة للإطالة من وجهة نظرهم. والبعض إعتبره خطابا سلطويا لا خطاب حركة تحرر وطني. وبعض آخر غمز كثيرا مما حمله وتضمنه الخطاب.
لكن اي قراءة موضوعية لما جاء في خطاب الرئيس ابو مازن، سيلحظ الآتي: اولا رغم ان الخطاب كان طويلا، حيث بلغ عدد صفحاته وملفاته قرابة ال78 صفحة، اعتقد جرى إختزالها لما هو أقل من ذلك. غير انه عكس شخصية ورؤية الرجل، فلم يحد قيد أنملة عما يرى ويعتقد ويلتزم به؛ ثانيا أكد على الثوابت الوطنية كما اقرتها الشرعية والمجالس الوطنية الفلسطينية، وطالب الجميع بالعودة لإعلان ووثيقة الإستقلال 1988 للتدقيق فيها ومحاكمة الرئيس عليها؛ ثالثا أكد على اشكال النضال الرئيسية المتبناة والمعتمدة فلسطينيا، ولم يتجاوز اي منها، حيث ربط بين النضال السياسي والديبلوماسي والكفاح السلمي. فضلا عن اشكال النضال الاخرى الاقتصادية والثقافية والقانونية .. إلخ؛ رابعا رحب بما جاء في كلمة خالد مشعل، رئيس حركة حماس، وطالبه بالشروع بفتح بارقة أمل لبناء جسور الوحدة الوطنية. وهنا إستوقفني بعض المنتقدين لخطاب الرئيس عباس، حيث إعتبروا انه لم يقدم رؤية للمصالحة، وكأن الساحة الوطنية بحاجة لمبادرات جديدة، هناك اسس موضوعة بحاجة للترجمة على الارض. المواطن الفلسطيني لا يريد اوراق عمل ولا مقترحات جديدة، الشارع بحاجة ماسة إلى خطوة عملية لبناء جسور المصالحة والوحدة الوطنية؛ خامسا أكد نمسكه بخيار المفاوضات السلمية كاساس للحل السياسي، وهو خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية كلها. ورفض كل الطروحات الضبابية مثل "القدس عاصمة للدولتين" او "الدولة ذات الحدود المؤقتة" او "الدولة اليهودية" او غيرها من الصيغ العبثية، التي تسعى للإلتفاف على الحقوق الوطنية الفلسطينية بحدها الأدنى الممكنة والمقبولة، وربط بينها وبين قرار التقسيم 181 الصادر في العام 1947، وشدد على النقطة (ج) الواردة في القرار، التي نصت على إستخدام القوة المسلحة في حال تجاوزت إحدى الدولتين الحدود او تحول دون إقامة الدولة الأخرى، وهذا وفق ما جاء في خطاب الرئيس عباس اهم من اللجوء للفصل السابع، ومع ذلك إعتدت إسرائيل على أراضي الدولة الفلسطينية العربية وتوسعت فيها، ولم تسمح بإقامتها وبقي المجتمع الدولي صامتا ومتواطئا مع دولة الإستعمار الإسرائيلي حتى اليوم،الذي نعيشه. وأكد في السياق على تمسكه بحق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194 ومبادرة السلام العربية؛ سادسا شدد على اهمية العلاقات العربية العربية. ودعا إلى تجاوز الخلافات البينية، والعض على الجراح لتعزيز هذه العلاقات. وثمن إلتزام السعودية والجزائر بدفع استحقاقاتهما المالية لدعم موازنة السلطة الوطنية؛ سابعا أكد على رفض الارهاب القائم في الدول العربية، ومن خلاله رفض ما يسمى الربيع العربي، معتبرا إياه مفبركاً وارسل للعرب من قوى وجهات اجنبية. وهذا ينسجم مع موقعه كرئيس لدولة فلسطين وكجزء من النظام السياسي العربي. ولكنه لم يرفض ولا للحظة الكفاح المشروع لإي شعب من الشعوب لتطور مشاركتها وتنميتها وحريتها السياسية؛ ثامنا جال على 60 نقطة وعامل للنهوض بمستقبل الحركة والسلطة والشعب العربي الفلسطيني بدءا من السياسة والاقتصاد والزراعة والامن والقضايا الاجتماعية والقانونية والدينية والثقافية والفنية السياحية والابداعية والتنظيمية، ولم يترك لا شاردة ولا واردة من مجالات الحياة إلآ وتعرض لها.
المحصلة الخطاب، هو الخطاب والبرنامج، الذي تضمنه يمثل وجهة نظر الرئيس ابو مازن وليس ملزما للمؤتمرين. وهو ما أكده لهم بالقول: بإمكانكم ان تقبلوا به او تعدلوه او ترفضوه. وبالتالي هو لم يفرض ما طرحه على المؤتمر.وترك حرية الخيار للأعضاء، فان وافقوا عليه يصبح برنامجا للمؤتمر، وان عدلوه كان بها، وإن غيروه لا يملك الرئيس إلآ الإلتزام بما يقرروه. بعد ذلك كيف تكون النتائج، هذا امر مرهون بمدى وعي اعضاء المؤتمر لدورهم في تصويب مسار العملية السياسية والكفاحية والتنظيمية للحركة والسلطة والمنظمة، لاسيما وان حركة فتح تمثل العمود الفقري للمنظمة ولحركة التحرر الوطني الفلسطينية. اما حديث البعض انه اختار المؤتمرين على مقاسه، فأعتقد ان في هذا الأمر مبالغة وتزيد في تحميل الرجل أكثر مما يحتمل، دون ان يعني ذلك انه وقف على الحياد ولم يتدخل نهائيا. ولكن دون إثقال كاهله. فهناك هيئات مركزية اين هي من مسؤولياتها تجاه المؤتمر؟
ما جاء في خطاب الرئيس ابو مازن، يمثل وجهة نظره. هناك نقاط يختلف المرء بشأنها معه، لكن لا يملك المرء سوى إحترام شجاعة الرئيس عباس على تمسكه برأيه ووجهة نظره.