افتتح المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات) بفرعيه البيرة وقطاع غزة مساء أمس الثلاثاء، أعمال المؤتمر السنوي الخامس للمركز تحت عنوان (إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني) في مقر جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بالبيرة وغزة، عبر تقنية "الفيديو كونفرنس".
وشارك في المؤتمر أكثر من 400 شخصية من السياسيين وقادة الفصائل والأكاديميين وأعضاء من المجلس التشريعي، ومؤسسات المجتمع المدني، وناقش المؤتمر في أربع جلسات مجموعة من الأوراق التي أعدها باحثون مختصون والتي استمرت حتى اليوم الأربعاء.
وقال رئيس مجلس أمناء مركز مسارات ممدوح العكر في كلمته الافتتاحية، "من نافلة القول أن الحركة الوطنية الفلسطينية فقدت بوصلتها وضلت طريقها كحركة تحرر وطني، وذلك منذ التوقيع على اتفاقية أوسلو الذي أوصلنا إليه التيه الذي نحن فيه".
وأضاف، "من المفارقة الغريبة والمفزعة في ذات الوقت أن نكبة عام 48 بفقدان القسم الأكبر من وطننا وما صاحبها من تهجير قسري لشعبنا، لم تحتج لبعض سنين كي تستفيق من هول الصدمة ونبدأ خطانا على بوصلة التحرير والعودة".
وحول إعادة بناء المشروع الوطني، أشار مدير عام مركز مسارات هاني المصري، إلى أن هناك من يميل إلى التمسك بالحقوق التاريخية والرواية التاريخية وإهمال الواقع والمصالح الثنائية، وهناك من يميل إلى الدعوة لقبول الممكن وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، منوهاً إلى أن المشروع الوطني لا يمكن إلا أن يجمع ما بين التمسك بالحقوق الوطنية التاريخية والحل النهائي الجذري الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بتفكيك المشروع الاستعماري.
وقدم خلال الجلسة الأولى ثلاثة أوراق من الداخل المحتل، الأولى قدمها أستاذ العلاقات الدولية ودراسات الصراع في كلية القانون والدبلوماسية بجامعة نافتس بواشنطن نديم روحانا بعنوان "هل يمكن تفكيك المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني، وكيف يمكن تحقيق ذلك؟"، والثانية قدمها أستاذ علم الاجتماع والدراسات الدولية سيف دعنا بعنوان "أفكار حول مآلات القضية الفلسطينية"، والأخيرة قدمها رئيس قسم الحكم والفكر السياسي بجامعة حيفا أسعد غانم بعنوان "نحو مشروع وطني جديد- الفلسطينيون وحق تقرير المصير"، وعقب على هذه الجلسة كلاً من: قيس عبد الكريم، عزمي الشعيبي، غازي حمد، بلال الشوبكي، لورد حبش، كايد الغول.
وختمت الجلسة الأولى والتي أدارها كلاً من رئيس مجلس إدارة مركز مسارات سعد عبد الهادي، ومدير المركز في غزة صلاح عبد العاطي، بالحديث عن أهداف واستراتيجيات تحقيق المشروع الوطني.
وواصل المؤتمر فعالياته اليوم الأربعاء، وكانت عبارة عن ثلاث جلسات، تناولت الجلسة الأولى المشروع الوطني والتجمعات الفلسطينية، والتي قدمت أربع أوراق وهي: ورقة أحمد جميل عزم بعنوان "المشروع الوطني والحركة الوطنية... مراجعة التجربة وآفاق المستقبل"، والتي أوضح من خلالها أن هذا الطرح يؤكد عملياً على مساعي الفلسطينيين لدولة، وجنسية، كحل لمآزق حياتهم اليومية، وضمانة للمستقبل، كما يواجه تحديين، الأول يتعلق بقضية كلاسيكية، وهي "هل تعبر الدولة المستهدفة عن الجامعة القومية؟ وعن الطموح الوطني؟"، والآخر يتعلق بتغيرات على مستوى العالم تجعل الدولة، والتنظيم السياسي، مختلفان عن العصر السابق، فتراجعت أهمية الفصائل بشكل عام، ودور القوى المركزية في الفعل الثوري والشعبي.
وحول المشروع الوطني ودور فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، أكد الأستاذ في قسم العلوم السياسية بجامعة الأزهر مخيمر أبو سعدة و الأستاذ في قسم التاريخ بجامعة الأزهر أسامة أبو نحل في الورقة التي قدماها خلال المؤتمر، على أن الشعب الفلسطيني حاول جاهداً تثبيت مشروعه الوطني مع بداية الاحتلال البريطاني لفلسطين، فشهدت الأراضي الفلسطينية أولى انتفاضات سكانها بدءاً بانتفاضة يافا التي انطلقت في عام 1920، ومحاولة الفلسطينيين من خلالها تثبيت حقهم في بلادهم، إلا أن سلطات الاحتلال البريطاني تمكنت من إحباطها.
وعرج أبو سعدة وأبو نحل، إلى نشأة منظمة التحرير الفلسطينية وإبراز الهوية الوطنية الفلسطينية، ودور الأراضي المحتلة في الانتفاضة الأولى عام 1987م، والانتفاضة الثانية عام 2000م، وأحداث القدس عام 2015م.
ومن تركيا، تناول الكاتب السياسي ماجد كيالي خلال ورقته بعنوان "تحولات ومآلات الحركة الوطنية الفلسطينية"، بقوله، إن فكرة إعادة البناء تستمد شرعيتها وضرورتها وأهميتها من استعصاء الأزمة الفلسطينية على الحل أو التجاوز، بحكم عمقها وشموليتها ورسوخها، إذ أن هذه الأزمة لا تقتصر فقط على الإخفاق في خيار التسوية وفق اتفاق أوسلو، أو على انقسام الكيان السياسي بين الضفة وغزة، وبين سلطتي فتح وحماس، إذ باتت تتطلب فوق ما تقدم، تحديد ماهية المشروع الوطني، وتعريف الفصائل الفاعلة، بالإضافة إلى إعادة بناء الكيانات السياسية الجمعية، وتحديد أشكال النضال الممكنة والمناسبة، والأكثر جدوى في ظل الظروف الفلسطينية، والمعطيات العربية والدولية السائدة.
ومن الأوراق المقدمة من الفلسطينيين بالداخل المحتل والتي كانت بعنوان "من الدولة إلى الوطن.. الفلسطينيون في الداخل وإعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني"، أكدت مدير عام مركز مدار هنيدة غانم، على ضرورة الإجابة على نوعين من الأسئلة يتعلقان بالمستويين العملي، والسوسيولوجي وتوصيف واقع الفلسطينيين في الداخل، كما يتعلق بتحديد المقصود بالمشروع الوطني، والذي من الممكن أن ينخرط فيه فلسطينيو الداخل.
ولفت القيادي في حماس أحمد يوسف خلال ورقته والتي كانت بعنوان "أسس الشراكة السياسية بين التيارات والقوى الفلسطينية"، إلى أن الشراكة السياسية ضمن توافق وطني هي الخيار الأفضل لحركة النظام السياسي الفلسطيني، الأمر الذي يستدعي إعادة بناء منظمة التحرير كمرجعية وطنية ومظلة حاضنة للجميع، بما في ذلك حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
وفي ختام المؤتمر قدم كلاً من: مدير عام مركز مسارات هاني المصري ومدير البحوث والسياسات بمركز مسارات برام الله خليل شاهين، ورقة عمل بعنوان "مرتكزات استراتيجية العمل الوطني للمرحلة القادمة"، والتي أشارا من خلالها إلى أهم التوصيات والمتمثلة بالتالي:
1- التمييز بين برنامج المنظمة كممثل لجميع الفلسطينيين وبرنامج "السلطة/ الدولة" الذي ينبغي أن يشتق منه كناظم لأهداف واستراتيجية العمل السياسي والنضالي.
2- العمل وفق مبدأ التجاور بين السلطة والمقاومة وفق أسس ومبادئ ناظمة لهذه العلاقة تحددها القيادة الواحدة في ضوء متطلبات وأهداف الاستراتيجية السياسية والنضالية للمرحلة القادمة.
3- أي حكومة وحدة وطنية ينبغي أن تعتمد برنامجاً سياسياً اقتصادياً اجتماعياً ثقافياً مشتقاً يخدم الاستراتيجية السياسية والنضالية، ويركز على تعزيز الصمود.