أكدت فرنسا أنه لن يكون هناك مؤتمر سلام دولي هذا الشهر، لمعالجة الشأن الفلسطيني، وتحديداً مناقشة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وبرمجته زمنياً. وهو الهدف الذي انطلق لأجله الفلسطينيون في ذهابهم للأمم المتحدة، العام الماضي 2015، قبل أن يتراجعوا عن هذا المسار، لإعطاء التجربة الفرنسية فرصة. ورغم الحديث عن عقد مؤتمر الشهر المقبل، فإنّ أخطر تراجع فرنسي هو التصريح أنّ موضوع التسوية النهائية تقررها المفاوضات الثنائية؛ ما يعني تراجعا تاما عن فكرة تدويل الصراع والحل.
بحسب ما قال دبلوماسيون فلسطينيون مطلعون، التقيتهم بشكل شخصي، فإنّهم يأملون أن يتمخض المؤتمر عن تشكيل لجان متابعة أوروبية تتابع المسألة. والواقع أنّ إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المبادرة الفرنسية، يمكن أن يكون تفكيراً منطقياً رغم فداحة الخسارة الناتجة عن التعويل على باريس طويلاً.
من تحدّث عن تأجيل المؤتمر هم، أيضاً، دبلوماسيون فلسطينيون، فيما فرنسا قالت إنها لم تحدد أصلا موعدا محددا، بحسب ما ورد في الإعلام. ويقول سفير فرنسا في الأمم المتحدة، فرنسوا ديلاتر، كما نقلت وسائل الإعلام، إنه "بعد عام تقريبا من الجهود، ستدعو فرنسا في كانون الثاني (يناير) المقبل إلى مؤتمر دولي، يجمع كل الدول المرتبطة بالسلام". وقال: "يعلم الجميع أن الإسرائيليين والفلسطينيين سيستطيعون التوصل للسلام بشكل مباشر. لكن سنشير اليوم إلى أنّ ظروف استئناف المفاوضات غير مواتية".
يمكن الترجيح من المواقف الإسرائيلية، والفرنسية، المعلنة، أنّ الإسرائيليين لن يشاركوا في المؤتمر، وبالتالي لن يُدعى الفلسطينيون للمشاركة أيضاً. وهنا السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا الاستجابة الدولية للضغط الإسرائيلي، ولمَ لا يُدعى الفلسطينيون وحدهم ما داموا يوافقون على الحضور؟ وهل يمكن أن يطلب الفلسطينيون الحضور؟
إلى ذلك، وبحسب ما جاء في الصحافة الفرنسية، تسعى فرنسا إلى تشكيل ثلاث مجموعات عمل للمتابعة؛ واحدة لمتابعة بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، والثانية لمتابعة الحوافز الاقتصادية لعملية السلام، والثالثة لتعزيز مشاركة المجتمع المدني. وبحسب بعض التقارير، فإن هذه المجموعات بدأت العمل فعلا منذ حزيران (يونيو) الماضي، عندما اجتمع وزراء خارجية في مؤتمر سلام بباريس، من دون حضور فلسطيني وإسرائيلي.
الملاحظ أن مجموعات العمل الثلاث هذه، التي يقول دبلوماسيون فلسطينيون إنها ستواصل العمل الآن، لا تتضمن أي استجابة للمطالب الفلسطينية، بآلية عمل جديدة على غرار آلية "5+1" التي تعاملت مع إيران ومشروعها النووي، وجمعت الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا. فاللجان الثلاث تتعامل مع الفلسطينيين، ولا يبدو أنها تحاول طرح أي إطار قانوني دولي لحلحلة عملية التسوية، بل إنّ التصريحات الفرنسية المتلاحقة تهدف إلى طمأنة الإسرائيليين وليس العكس. فمثلا، قالت السفيرة الفرنسية الجديدة إلى إسرائيل، هيلين لاغال، وهي تقدم أوراق اعتمادها للرئيس الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، وبينما كان متوقعا عقد المؤتمر هذا الشهر، إنّ "المؤتمر الدولي للسلام الذي سيعقد في باريس هذا الشهر لن يحتوي أي أفكار جديدة لحل صراع الشرق الأوسط، ولكنه يهدف إلى أن لا تختفي القضية بين أزمات عالمية أخرى".
رغم أن الفلسطينيين أجّلوا تحركهم في مجلس الأمن في الأمم المتحدة طويلا، ويتجهون للمزيد من التأجيل في بعض القضايا؛ مثل الاستيطان، بطلب من الفرنسيين، من دون ثمن يذكر، ومن دون أي تحرك دولي ذي معنى، فإنّ هناك مسألتين يجدر طرحهما الآن: الأولى، كيف يمكن أن تقدم أي اجتماعات دولية شيئا ملموسا للفلسطينيين باتجاه الحصول على الدولة، وليس مجرد تمضية وقت، ومناقشة المساعدات الدولية (المتناقصة في واقع الأمر)، ومن دون أي رد فعل على سياسات الإسرائيليين التي تهدم مؤسسات الفلسطينيين وتصادر أراضيهم، وليس تنمية مجتمع مدني فلسطيني، الذي هو في جزء كبير منه، مجرد مجتمع وهمي يسعى وراء مكاسب مادية محدودة من مشاريع ممولة أوروبياً؟ وهذا يحتاج لمطالب فلسطينية محددة، مدعومة عربياً بقوة. وثانياً، يحتاج أن يرد الفلسطينيون كيف سينظمون صفوفهم داخليا، للانطلاق دوليا، ولمواجهة العدوان الإسرائيلي، ميدانياً، ما دامت الجهود الدولية بالغة التواضع على هذا النحو؛ وفي مقدمة ذلك عقد مجلس وطني فلسطيني جديد ممثل للطاقات والشرائح الفلسطينية السياسية والاجتماعية في مختلف أماكن وجودها.
عن الغد الاردنية