عشرة أيام مرت على تصويت مجلس الأمن على القرار رقم 2334 نثرنا خلالها الفرح معبّرين عن نشوة الانتصار رغم الصعوبات، ولكن ماذا بعد؟ وما هي الاستراتيجية الفلسطينية لمواصلة البناء على هذا القرار.
قبل أن نتحدث عن هذه الاستراتيجية لا بد من الإشارة إلى مجموعة من قرارات مجلس الأمن السابقة في موضوعي الاستيطان والقدس، والتي لا تقل أهميةً عن هذا القرار، والمؤسف أننا لم نبنِ شيئاً على تلك القرارات، ولم تكن لدينا القدرة على تفعيلها؛ فظلت حبيسة أدراج مجلس الأمن والأمم المتحدة، فيما غالبية الفلسطينيين لا يذكرون هذه القرارات ويعتقدون أن قرار المجلس الأخير هو الأول في هذا الاتجاه، لكن ذلك الخطأ بعينه.
سنلقي نظرةً على أهمّ هذه القرارات حتى نتعلّم من الأخطاء السابقة، ونستيقظ من أحلامنا الوردية، باتجاه المواجهة مع الاحتلال في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية... بناء على هذا القرار والقرارات السابقة.
من القرارات السابقة، القرار رقم 452 الصادر في 22 تموز 1979 والذي ينص على: "سياسة إسرائيل في بناء المستوطنات على الأراضي العربية المحتلة، ليست ذات مرجعية قانونية، وتعتبر خرقاً لاتفاقية جنيف الرابعة، والتي تتعلق بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، الموقعة في آب 1949، ويدعو الحكومة والشعب الإسرائيليين بالسرعة الممكنة إلى وقف عملية إقامة وبناء وتخطيط المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة عام 1967 بما في ذلك القدس".
وقد اعتمد هذا القرار بموافقة 14 دولة وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت. وفي هذا السياق نريد أن نسأل: ما هي الفروق الجوهرية بين هذا القرار، والقرار 2334 الصادر الجمعة الماضي الموافق 23 كانون الأول 2016، أي بعد 37 عاماً.
قرار مجلس الأمن رقم 465 الصادر في العام 1980، والذي ينصّ جزء منه على: "يقرر مجلس الأمن أن جميع التدابير التي اتخذتها إسرائيل لتغيير المعالم المادية، والتركيب السكّاني، والهيكل المؤسّسي في الأراضي الفلسطينية وغيرها من الأراضي العربية المحتلة في العام 1967 بما فيها القدس، أو أي جزء منها، ليس لها أي مستند قانوني، وأن سياسة إسرائيل وأعمالها لتوطين قسم من سكانها ومن المهاجرين الجدد في هذه الأراضي تشكل خرقاً فاضحاً لاتفاقية جنيف الرابعة، كما تشكل عقبة جديدة، أمام تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الأراضي الفلسطينية".
سؤال آخر: ما الجديد في القرار 2334 مقارنة بالقرار 465؟
قرار مجلس الأمن رقم 478 الصادر في 20 آب 1980 والذي ينصّ جزء منه على "توبيخ إسرائيل بأشد العبارات إثر سَن القانون الأساسي بشأن القدس، ورفض الامتثال لقرارات المجلس ذات الصلة، وعليه يقرر المجلس أن جميع التدابير التشريعية والإدارية والإجراءات التي اتخذتها إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، والتي غيّرت أو ترمي إلى تغيير طابع ووضع القدس وعلى وجه الخصوص، القانون الأساسي الإسرائيلي" يجب إلغاؤها بل تعتبر لاغية وباطلة على الفور.
كما أن هناك مجموعة من القرارات المشابهة التي أصدرها مجلس الأمن وتؤكد جميعها عدم الاعتراف ورفض التغيير في معالم الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس ومنها القرار 237 للعام 1967 والقرار 252 للعام 1968 والقرار 267 للعام 1969 والقرار 271 للعام 1969 والقرار 298 للعام 1971، وكذلك البيان الإجماعي لرئيس مجلس الأمن المؤرخ في 11 تشرين الثاني 1976.
إذاً هي قرارات تصبُّ في المجرى السياسي نفسه، ولكن القيادة لم تتمكن من استثمار هذه القرارات أو المراكمة عليها، ولهذا فإن المفاجأة التي أحدثها القرار الأخير ما كانت لتكون لو جمعنا تلك القرارات وحلّلنا ما ورد فيها.
وعلى الرغم من ذلك، فإن صدور القرار بعد فترة طويلة من سياسة الأمر الواقع التي خلقتها حكومة الاحتلال، والوضع الدولي والإقليمي الراهن، يعتبر نصراً للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، يجب استثماره بشكلٍ جيّد فيما نقدر عليه، وربما يتمثل الاستثمار الأول في الإعلان فوراً عن منع البضائع والمنتجات الواردة من المستوطنات، واعتبار من يتاجر أو يجلب هذه البضائع مجرماً يجب اتخاذ إجراءات قانونية رادعة بحقه، بمعنى لا بدّ من إطار قانوني وألا تبقى مقاطعة منتجات المستوطنات مجرّد حالة موسمية، أو مبنية على قناعات فردية!
ويجب، أيضاً، إعادة النظر في العمالة الفلسطينية في المستوطنات، بصرف النظر عن الأسباب الاقتصادية، لأن في هذا تناقضاً تاماً بين ما نعتقد وما هو واقع، وبالتالي فالمطلوب من السلطة العمل فوراً على إيجاد البدائل لهم.
كيف نقنع العالم بعدم شرعية المستوطنات وصور الصحافة العالمية التي تنشر يومياً تظهر عمّالنا الفلسطينيين وهم يشيّدون هذه المستوطنات المقامة على أرض أجدادهم المصادرة؟!
كما يجب تفعيل المقاطعة الدولية في ظل إطار قانوني أممي، ولن تستطيع دول العالم أن تبرر قانونياً عدم المقاطعة أو محاولة الحدّ منها في بعض الدول الأوروبية، لأن هذا مخالف لقرارات أممية يجب الاستفادة منها.
على الصعيد القانوني، يجب أن نبدأ فوراً بالذهاب إلى الأطر القضائية الدولية ذات الصلة ومنها محكمة لاهاي والمحكمة الجنائية الدولية، ولا نريد أن يتكرر ما حصل في لاهاي قبل عدة سنوات بشأن العدوان على غزة.
أما سياسياً، فيجب ترتيب أوراقنا وكسب المؤسسات الأهلية الدولية أو تلك العاملة في المجال الحقوقي والقانوني.
أما الأهم من ذلك، فهو تحقيق المصالحة على قاعدة مصلحة الوطن فوق الأحزاب والحركات... وفوق ذوي المصالح الضيّقة ممن يرون في هذا الانقسام واستمراره مبرّراً لوجودهم وفسادهم. وفي هذا الإطار أصبحنا بحاجة إلى تحرّك شعبي جماهيري في الضفة والقطاع والداخل، وكل أماكن الوجود الفلسطيني للضغط على القيادات لتحقيق هذه المصالحة لنعيد تناقضنا الأول والأساسي ليكون مع الاحتلال... هكذا نبني على القرار الجديد، وإلاّ سيكون مصيره النسيان في أدراج الأمم المتحدة، كما حصل في القرارات السابقة التي لا تقلّ أهمية عنه.