iدارة الرئيس ترامب لا تدعو للقلق إذا وجدنا لأنفسنا مكانا ً في التحالفات الإقليمية الجديدة

التقاط
حجم الخط

 

شهدت نهاية عام 2016 أحداثا ً دراماتيكية على مستوى منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص كان أبرزها وقف إطلاق النار في سوريا وقرار مجلس الأمن الدولي ضد الإستيطان وخطاب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري.

ولكي لا نغرق في الوهم لا بد من وضع الأمور في سياقها السليم وكيلها بالمكيال الصحيح وإلا بقينا نلهث وراء السراب ونحاول صيد الفراشات.

بداية أقول بأن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 جاء بأفضل صيغة يمكن أن يُصاغ بها قرار دولي لصالح القضية الفلسطينية وضد الإستيطان لا سيما إذا أخذنا بعين الإعتبار تعاظم النفوذ الإسرائيلي في المنطقة والعالم بشكل عام وداخل الولايات المتحدة بشكل خاص ، ونجاح إسرائيل في اختراق الصف العربي وعمل محاور تخضع لسيطرتها وتضم في جوهرها قوى عربية عُرفت في الماضي بدعمها للحق الفلسطيني وقيادتها للتيار القومي العربي.

فالقرار الأممي هو قرار متوازن وفي نفس الوقت شامل لكل المكونات التي كنا نرغب أن ترد فيه ، وهو شأنه كشأن خطاب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري جاء جامعا ً مانعا ً لا تشوبه شائبة.

ومع أن هذا هو الرأي في نص القرار وصياغته إلا أن الأهم من النص هو القيمة العملية والتنفيذية لكل من القرار وخطاب وزير الخارجية كيري ، وهنا لا بد من القول بأن لا قيمة عملية للقرار ولا لخطاب كيري ، وعلى من يحاولون أن يعيشوا الوهم ويصنعوا منه غلائل وردية أن لا يُسرفوا في ذلك رحمة بأنفسهم وبشعبهم.

فالقرار ليس انتصارا ً رغم قيمته المعنوية والخطاب ليس سوى " فشة خلق " مارسها كيري ومن ورائه الرئيس المنتهية مدته أوباما واللذين اتصف عهدهما بأكثر العهود دعما ً وإسنادا ً لإسرائيل ومراوغة ومناورة فيما يتعلق بالحقوق الوطنية الفلسطينية ، أعطت إسرائيل الوقت والمال والسلاح لتزداد عنجهية وغطرسة وإمعانا ً في تحدي الشرعية الدولية والتنكر للحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني.

وإلى الذين يهللون ويسبحون بحمد القرار 2334 وامتناع واشنطن عن استخدام الفيتو وبالتالي إتاحة تبنيه من قبل مجلس الأمن ، وبخطاب جون كيري ، أقول أين كانت واشنطن قبل ست سنوات عندما تصدت عام 2011 ووقفت ضد نفس القرار واستخدمت حق الفيتو ضده وأحبطته ، كما أحبطت ومنعت آنذاك اتخاذ قرار بقبول دولة فلسطين عضوا ً كامل العضوية في الأمم المتحدة ، بينما كانت هناك آنذاك أمس الحاجة لمثل هذا القرار ولقبول فلسطين عضوا ً في المنظمة الدولية لفتح الباب على مصراعيه أمام الشرعية الدولية لتأخذ دورها وتؤدي مهمتها..

سوف يسجل التاريخ بأن إدارة أوباما كانت من أكثر الإدارات الأمريكية إجحافا وضررا ً بالشعب الفلسطيني. وأن قيامها اليوم وفي الأسابيع الأخيرة من عهدها بدعم قرار يدين الإستيطان وقيام وزير خارجيتها بالقاء خطاب هو بمثابة كشف حساب ومراجعة شاملة للسياسة الإسرائيلية يحملها مسؤولية إفشال حل الدولتين ، هو مجرد كلام لا يسمن ولا يُغني من جوع ، وهو رياء لليهود أكثر مما يكون إقرارا ً بالحقوق الفلسطينية.

لقد تخاذل أوباما وإدارته وتواطأوا مع السياسة الإستيطانية الإسرائيلية طيلة الثماني سنوات من إدارته ، وقف خلالها درعا ً واقيا ً لإسرائيل يذود عنها في الساحات الدولية ويكرس مساعيه للهيمنة على المساعي الدولية لحل الصراع وإنهاء الإحتلال لضمان أن أي حل للصراع يجب أن يكون وفقا ً للأهواء الإسرائيلية ، إضافة إلى قيامه بإدارة الحروب في المنطقة خدمة ً للمصالح الإستراتيجية الإسرائيلية وتكريس هيمنتها العسكرية والإقتصادية على المنطقة ، ثم اختتمها بتوقيع اتفاق مساعدات مادية وعسكرية وتكنولوجية حربية لإسرائيل تبلغ قيمتها 38 مليار دولار تُدفع على مدى السنوات العشر القادمة ، فلماذا الإستخفاف بالعقل الفلسطيني ومحاولة الظهور بمظهر من يريد السلام ويدين الإستيطان تباكيا ليس على الحق الفلسطيني وإنما على إمكانية ضياع فرصة الحفاظ على يهودية إسرائيل وخطر تحولها إلى دولة ثنائية القومية !

لنقل للرئيس أوباما ولوزير خارجيته جون كيري : لقد جئتما متأخرين جدا ً جدا ً جدا ً ويا ليت لم تأتيا ! لأنكما في هذه الخطوات التظاهرية حاولتما أولا ً لبس مسوح الرهبان وادعاء الحرص على السلام ، وبنفس الوقت استخدمتما القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني مادة لمناكفة الإدارة القادمة واستعدائها ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه.

وأتساءل ما الذي تنوي القيادة الفلسطينية فعله في خضم هذه الأحداث المصيرية.

إن هناك ثمة فرصة لا يجوز التفريط بها بل يجب التشبث بها بكل قوة واستثمارها الى أقصى حد ممكن وهذ الفرصة تتمثل في العلاقة الخاصة التي تبدو ملامحها بين القيادة الروسية بزعامة الرئيس بوتين والرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.

فالصورة التي تبدو أمامنا اليوم هي حالة الهيجان التي تعيشها القيادة الإسرائيلية التي ترى في إدارة ترامب فرصة لشطب الدولة الفلسطينية وتكريس دولة إسرائيل الكبرى وضم ما تبقى من الضفة الغربية كما صرح بذلك الوزير الإسرائيلي نفتالي بينيت قبل يومين والرد على هذه العاصفة الهوجاء هو العمل من خلال المحور الإقٌليمي الذي بدأت ملامحه تظهر من خلال اتفاقية وقف إطلاق النار في سوريا بمشاركة روسية تركية إيرانية. فهذا المحور الجديد يمكن أن يحد من غلواء الإدارة الأمريكية الجديدة في دعمها لإسرائيل ويجعلها ترى مصالحها الإقليمية في إطار أوسع وضمن دائرة المصالح الإقليمية لهذه الدول .

لقد أثبت وقف إطلاق النار في سوريا غياب أي دور لإدارة الرئيس أوباما بل فشلها وتخليها وتركها الساحة مفتوحة على مصراعيها أمام الدور الروسي ، وأدى وقف إطلاق النار إلى تمكين إيران من الإحتفاظ بتواصل بري إقليمي مع شريكها وموقعها المتقدم وهو حزب الله في لبنان وإلى تعزيز الدور التركي الذي ضمن لنفسه عدم إقامة دولة أو شبه دولة كردية على الحدود بينه وبين سوريا.

وعلى الدبلوماسية الفلسطينية أن تُبادر لتعزيز العلاقات مع تركيا وترميمها مع إيران والإستمرار في توطيدها مع روسيا استمراًرا للنهج الذي اتبعه الرئيس محمود عباس منذ سنوات طويلة ، ومن خلال هذا المحور الثلاثي يمكن التصدي للغطرسة الإسرائيلية ولربما التوصل إلى تسوية سياسية أفضل بكثير من مراوغة ومماطلة الإدارة الأمريكية المنتهية ولايتها.