يعيش حوالي مليوني فلسطيني في قطاع غزة أوضاعاً مأساوية نتيجة الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من عشر سنوات، الأمر الذي أدى إلى تعطيل كافة مناحي الحياة، إضافة إلى العدوان الإسرائيلي الأخير وما خلفه من آثار عادت بالسلب على مختلف فئات المجتمع.
ومع انسداد كافة الأفاق السياسية والاقتصادية والاجتماعية في وجه المواطن الغزي، وعدم مقدرة الأطراف المختلفة على إحداث أي اختراق في جدار الرفض والتعنت الإسرائيلي، فإن "الغزيين" يعتقدون أنهم يعيشون أوضاعاً أسوأ من تلك التي عايشها آباؤهم وأجدادهم إبان نكبة فلسطين عام 1948، أو تشبهها إلى حد بعيد على الأقل.
لذا فقد أصيب "الغزيون" بالإحباط واليأس والاكتئاب وفقدان الأمل، جراء استمرار الانقسام، وعدم تحقيق الوحدة الداخلية المطلوبة لمواجهة تحديات رفع الحصار، وإعادة الإعمار، ودحر الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
هذه الأزمات دفعت المجتمع الغزّي إلى العديد من الأمور الخارجة عن عاداته وقيمه وتقاليده، حيث ارتفعت نسبة حالات القتل والانتحار والشجارات العائلية، كذلك طفت على السطح مؤخراً أزمة خطيرة، تمثلت في رغبة الشبان في الهجرة من القطاع، والبحث عن شعاع أمل في أي دولة أخرى بحثاً عن حرية وأمن وفرص عمل وكرامة مفقودة، بعيداً عن الصراعات الحزبية، والحصار الإسرائيلي، وهدم مكونات الحياة الاجتماعية.
2016 العام الأسوأ على قطاع غزة مقارنة بالأعوام الماضية
قال المحلل الاقتصادي وأستاذ العلوم الإدارية والمالية في جامعة الأزهر سمير أبو مدللة، إن عام 2016 هو الأسوأ على الشعب الفلسطيني، خاصة على قطاع غزة مقارنة بالأعوام السابقة، مرجحاً ذلك إلى تأخر عملية الإعمار.
بدوره، أوضح المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر ناجي شراب، أن ما شهده قطاع غزة خلال العام 2016، مرتبط بحالة الضعف الفلسطيني والانقسام وما لحقه من فقر ومآسي ومعاناة، يضاف إليه الفشل في إدارة الحكم بقطاع غزة.
من جانبه، أرجع المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس المفتوحة أحمد رفيق عوض، انتشار الجرائم في قطاع غزة خلال العام 2016، إلى انتشار البطالة والفقر، والازدحام السكاني، إضافة إلى تدهور البينة التحتية وانتشار السلاح خارج سلطة الأمر الواقع وانعدام الأفق السياسي، كذلك تزايد أعداد الخريجين العاطلين عن العمل، وعدم إيفاء المؤسسات الدولية بالتزاماتها.
وأشار أبو مدللة إلى أن تأخر عملية إعادة الإعمار سبباً رئيسياً في تعطيل الحياة، لافتاً إلى أن ""4500 منزل جرى إعادة إعمارهم فقط من أصل "13" ألف منزل دمرهم الاحتلال خلال العدوان الأخير، حيث أن قرابة الـ"60" ألف مواطن يعيشون في شقق الإيجار و "الكرفانات".
وأوضح شراب أن سياسة إسرائيل القائمة على إغلاق المعابر، واستمرار الحصار المفروض على القطاع، أدت إلى تفاقم أزمة الكهرباء والماء، وانخفاض نسبة الحد الأدنى للمعيشة الإنسانية.
ولفت عوض، إلى أن عام 2016 سجل قفزة نوعية في رؤيته للتسوية السياسة على صعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، من خلال إيجاد حلول تُنهي الصراع، وتحد من النمو المتزايد للاستيطان، في إشارة إلى قرار اليونسكو باعتبار القدس تراث إسلامي، إضافة إلى قرار مجلس الأمن الأخير بإدانة الاستيطان والمطالبة بوقفه.
ونوه أبو مدللة إلى أن نسبة البطالة في القطاع سجلت ارتفاعاً ملحوظاً خلال العام 2016، مشيراً إلى أن نسبتها بلغت 43 %، في حين أن نسبة البطالة في صفوف الشباب بلغت 65 %، وأصبح (110) آلاف خريج عاطلين عن العمل، إضافة إلى الفقر المدقع الذي وصل إلى ما نسبته 65% من سكان قطاع غزة، وانعدام الأمن الغذائي الذي بلغت مؤشراته 47%.
في حين، قال عوض إن الانقسام الفلسطيني لم يشهد أي تحرك ملموس، إلى جانب الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، واستمرار أزمة الماء والكهرباء، إلا أن أواخر عام 2016 لوحظ تغيُر في السياسة المصرية تجاه القطاع من خلال رغبة الجانب المصري بإحداث إنفراجة قادمة لسكان القطاع.
كما أشار أبو مدللة إلى أن حركة إدخال البضائع لقطاع غزة ما زالت سيئة، وذلك في ظل سيطرة إسرائيل على المعابر التجارية، حيث أن إجمالي البضائع الواردة لا تسد 70% من احتياجات سكان القطاع الأساسية واليومية، مشيراً إلى أن الاحتلال لم يسمح بإدخال سوى%"45" من احتياجات إعادة الإعمار منذ الإعلان عن البدء بإجراءاته، بواقع "500"ألف طن من الإسمنت، مقابل عجز يصل إلى مليون ونصف مليون طن من الإسمنت.
واعتبر شراب أن عام 2016 هو نتاج لما سبقه من تطورات خلال الأعوام الماضية وما عايشه القطاع من ثلاث حروب مريرة، مبيّناً أن غزة تحتاج بحاجة إلى إعادة تقييم في خياراتها ومقوماتها ومحدداتها، كما حمل المسؤولية إلى الطرف الذي يحكم قطاع غزة، إضافة إلى إجراءات إسرائيل المتمثلة بإغلاق المعابر.
أما أبو مدللة، فقال إن سوء الأوضاع الاقتصادية دفع ببعض الأشخاص نحو السرقة وارتكاب الجرائم، مشيراً إلى أن استمرار الأوضاع الحالية سيؤدي إلى تدهور خطير في المؤشرات الاجتماعية، مثل انتشار السرقة والتسول وعمالة الأطفال.
وتوقع عوض حدوث إنفراجة لغزة، من خلال الانفتاح مع مصر وتوسيع معبر رفح، لتسهيل عملية إدخال البضائع وعملية تنقل المواطنين، وذلك في ظل حاجة غزة الماسة إلى تحسين علاقاتها مع كافة الأطراف.
وأكد أبو مدللة على أن استمرار الانقسام، أثر على الأوضاع الاقتصادية بمؤشرات اجتماعية خطيرة، أهمها: ارتفاع نسبة العنوسة، حيث أن التقارير تشير إلى أن "15 ألف فتاة تفوق أعمارهن الثلاثين عاماُ، لم يتزوجن حتى اللحظة، وذلك بسبب انتشار الفقر والبطالة في صفوف الشباب.
وشدد شراب على أن الفصائل الفلسطينية لم تحقق أي انجاز يذكر خلال عام 2016 سوى احتفالات رمزية ولقاءات وحوارات، وإحياء مناسباتها الوطنية، منوهاً إلى أن المصالحة الفلسطينية أصبحت مرهونة لمرحلة ما بعد الرئيس عباس.
كما اعتبر أبو مدللة، أن العام 2016، هو الأسوأ على صعيد القطاعين الاقتصادي والتجاري، خاصة بعد تراجع المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي التي لا تتخطى ما نسبته3 %، خلافاً لمرحلة التسعينات من القرن الماضي، أي منذ مجيئ السلطة والتي تجاوزت حد الـ 18%.
الفروقات الاقتصادية بين غزة والضفة خلال عام 2016
وبيّن أبو مدللة أن عام 2016 سجل تفاوتاً كبيراً بين غزة والضفة من حيث الناتج ونسبة النمو، بسبب تراجع النمو في القطاع الخاص والمنع الإسرائيلي لعملية التصدير إلى الخارج، وذلك من خلال سيطرتها على المعابر ومنع دخول المواد الخام إلى القطاع، الأمر الذي يحول دون تشغيل آلاف الخريجين.
وأوضح عوض أن ما يميز الضفة عن غزة، هو حريتها في مجالات الزراعة والصناعة والتحويلات الطبية وحرية السفر للخارج، مضيفاً أن هناك حركة عمالية ووظائف متاحة في جميع الوزرات الحكومية، خلافاً لقطاع غزة الذي يُعاني من حصار خانق تتحكم فيه القوى المختلفة.
وأشار شراب إلى أن سكان الضفة الغربية يتمتعون بحرية في التنقل أكثر من غزة، وذلك من خلال السفر إلى الأردن، وإتاحة فرص عمل داخل إسرائيل، على الرغم من الحواجز المتواجدة بين المدن.
وقال أبو مدللة إن معدل الدخل للموظف الغزي يبلغ "1000" دولار، في مقابل "2400"دولار للموظف في الضفة، وبالتالي فإن الناتج في قطاع غزة لا يصل إلى أكثر من 2 مليار، خلافاً للضفة التي يصل فيها الناتج إلى ما يُقدر بـ"5" مليار خلال السنوات الماضية، مشيراً إلى أن نسبة العمالة والتوظيف في الضفة أعلى من غزة منذ عام 2007، في حين أن العائلات التي تتلقى مساعدات الشؤون الاجتماعية في غزة بلغت 80 ألف أسرة مقابل "40" ألف فقط بالضفة، إضافة إلى ما يقرب من "960" ألف أسرة تعتمد على مساعدات الأونروا بغزة.
قطاع غزة خلال عام 2017
أشار شراب إلى أن غزة متجهة نحو خيارين في ظل انعدام الأوضاع الاقتصادية، وانهيار النسيج الاجتماعي، ويتمثل الخيار الاول بالانفجار الداخلي، في ظل ما يعانيه القطاع من فقر وبطالة وقتل وعنف، أو الانفجار في وجه الاحتلال، مستبعداً خيار الانفجار في وجه الاحتلال، وذلك لعدم وجود مقومات للمواجهة.
وتوقع عوض أن العلاقات ستأخذ منحنى إيجابي مع مصر ونوعاً من الاهتمام على حساب الضفة الغربية، خاصة بعد قرارات مجلس الأمن الأخيرة ودخول الرئيس الأمريكي "ترامب" إلى البيت الأبيض، متوقعاً حدوث إجماع دولي على التخفيف من وتيرة الحصار، حيث أن إسرائيل اختارت طريق التسوية لعزل غزة عن الضفة.
وقال أبو مدلله إن المؤشرات الدولية والسيناريوهات التي وضعها البنك الدولي وبان كي مون، تشير إلى أن استمرار الحصار والانقسام والتأخر في عملية إعادة الإعمار، سيؤدي إلى تراجع مشاريع القطاع الخاص وإغلاق بعض المؤسسات لأبوابها مع بدايات العام 2017، وذلك نظراً لعدم دخول مواد البناء الخام، إضافة إلى أزمة الكهرباء، وتحكم الاحتلال بآليات التصدير إلى الخارج، ما يُنذر سلباً بانفجار قادم لسكان قطاع غزة.
وأوضح شراب أن قطاع غزة سيشهد مزيد من الانفتاح الاقتصادي والسياسي مع مصر، خاصة أن حركة حماس تدرك أهمية العلاقة الجغرافية المتمثلة في إعادة فتح معبر رفح، وتقييم العلاقات مع مصر على أساس المصالح المشتركة، واحترام الوضع القائم في مصر والذي من شأنه خلق حالة من الهدوء والانعاش الاستثماري للقطاع.
في حين، اعتقد عوض أن رقعة الخلاف ستزداد بين حركتي فتح وحماس خلال العام 2017، وذلك في ظل سعي بعض الأطراف الإقليمية والدولية التي لها مصالح وأهداف، إلى استمرار الانقسام الفلسطيني على ما هو عليه.
وأكد أبو مدللة على أن الحلول للوضع الحالي تكمن في مطالبة الدول المانحة بالإسراع في إتمام عجلة الإعمار، مشيراً إلى أن البدء الفعلي في عملية إعادة الإعمار سيؤدي إلى استيعاب جزء كبير من العمالة والخريجين.
كذلك لم يختلف شراب عن سابقيه، حيث شدد على ضرورة التزام الأونروا بمسؤولياتها الإنسانية تجاه القطاع، من خلال إعادة الاعمار وإنشاء المطار، لافتاً إلى أن هذا الأمر يتطلب من حركة حماس مزيداً من التكيف والمرونة والاستجابة، وإعادة الحسابات على أساس أنها حركة وطنية بمرجعية فلسطينية بعيداً عن البعد الديني والعقائدي الذي تسلكه.
وقال عوض إن السلطة الفلسطينية لن تجازف مجدداً خلال العام الجديد، بالعودة إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل كونها أثبتت فشلها، مضيفاً أن المفاوضات بعد مؤتمر باريس ستشهد طرفاً دولياً ثالثاً، الأمر الذي سيجعل المفاوضات تسير أكثر بطئاً.
وبيّن أبو مدللة، أن للسلطة الفلسطينية دوراً هاماً في مخاطبة المجتمع الدولي، من أجل رفع الحصار عن قطاع غزة، مشدداً على أن استمرار الحصار جريمة تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني بأكمله، حيث أن الاحتلال الإسرائيلي يفرض عقوبات جماعية على الشعب الفلسطيني والقطاع الخاص الذي يستوعب العديد من الخريجين، الأمر الذي ينافي اتفاقية "جنيف".