بعد القرار الرئاسي المتسرع الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمنع دخول مواطني سبع دول إلى أميركا هي: إيران والعراق واليمن وليبيا والصومال وسورية والسودان، وذلك في إطار تنفيذه لوعوده الانتخابية بمنع دخول المسلمين للأراضي الأميركية، والضجة التي أحدثها داخل الولايات المتحدة وخارجها. جاء الرد من المحاكم الأميركية التي أوقفت تنفيذ قرار ترامب مؤقتاً ومنها محكمة بوسطن الفيدرالية، ومحكمة ولاية فيرجينيا، ومحكمة سياتل الفيدرالية، ومحكمة بروكلين الفيدرالية. كما رفضت محكمة الاستئناف الفيدرالية في مدينة سان فرانسيسكو في يوم السبت الماضي الدعوة المستعجلة التي قدمتها وزارة العدل الأميركية لإعادة العمل بقرار حظر السفر الذي اتخذه ترامب بحجة "منع دخول إرهابيين محتملين". وهذا شكل صفعة جديدة لترامب الذي فشل في أول اختبار جدي في مواجهة الرأي العام على الصعيدين المحلي والدولي والذي هاجم القاضي الذي رفض الاستئناف، وقال في تغريدة له: "لا يُصدق أن قاضياً سيعرض بلادنا لمثل هذا الخطر. إذا حدث شيء فلوموه والنظام القضائي".
لكن هذا ليس نهاية المطاف فما زالت في جعبة ترامب وعود كثيرة تتعلق بعدد من الدول والمنظمات، وهو بدأ ولايته بإصدار قرار ببناء السور بين أميركا والمكسيك بحجة منع التهريب ومنع دخول المخدرات والمجرمين وخلق أزمة جدية في العلاقة مع المكسيك. وكانت مكالمته الهاتفية مع رئيس وزراء استراليا مالكوم تيرنبول سيئة للغاية بعد الخلاف حول اتفاقية إعادة توطين اللاجئين بين البلدين التي تم توقيعها بين البلدين مع إدارة الرئيس أوباما والتي تشمل نقل 1250 لاجئاً إلى الولايات المتحدة جرى وضعهم في مخيمات احتجاز مؤقتة في استراليا. وقد أنهى الرئيس ترامب المكالمة مع تيرنبول، التي كان من المفروض أن تستمر ساعة، بصورة مفاجئة بعد 25 دقيقة بعد أن عبر عن رغبته في إعادة النظر في "هذا الاتفاق الغبي"- على حد تعبيره في تغريدته بعد ذلك.
ويهاجم ترامب الصين ويعتبرها بأنها تحاول سرقة بلاده بعدما بلغ حجم العجز التجاري معها 365.7 مليار دولار. ويتهمها بتخفيض عملتها بشكل متعمد للمساس باقتصاد الولايات المتحدة عدا عن علاقاتها المميزة مع كوريا الشمالية وعدم سعيها لضبطها، ويهدد بمنع سيطرة الصين على أية مناطق في بحر الصين. وهو في الوقت الذي ينوي فيه توسيع نطاق التعاون مع روسيا يريد منع قيام حلف بين روسيا والصين وربما جعل علاقات بلاده مع روسيا على حساب الصين.
والآن يركز على إيران التي يعتبرها داعمة للإرهاب، ويقرر فرض عقوبات عليها بسبب إجرائها تجربة إطلاق صاروخ باليستي. وهو منذ ترشحه للرئاسة وهو يعد بإعادة النظر بالاتفاق مع إيران حول الملف النووي. والمقربون منه يقولون أنه يسعى لدق إسفين بين روسيا وإيران، ولكن الرد الروسي جاء سريعاً بتصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأنه لا توجد أي علاقة لإيران بأي من التنظيمات المدرجة على قائمة المنظمات الإرهابية من قبل الأمم المتحدة مثل "داعش" وجبهة النصرة، وتصريح الناطق الصحافي باسم الرئيس بوتين ديمتري بيسكوف الذي قال إنهم لا يتفقون مع ترامب حول توصيف إيران، وأكد أن موسكو تقدر عالياً علاقات الشراكة الطيبة التي تربطها مع طهران، ولا سيما في المجال التجاري الاقتصادي، وتأمل في مواصلة تعزيز هذه العلاقات. وبالرغم من التصريح الناري الذي أطلقه ترامب بأن كل الخيارات مطروحة مع إيران وهو تهديد واضح لهذه الدولة، إلا أنه ليس واضحاً إلى أي مدى سيذهب في التصعيد معها.
ويستمد ترامب التشجيع في أوروبا من موقف بريطانيا ومن صعود اليمين المتطرف في بعض الدول والذي رأى في فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة إلهاماً وقوة له، وهو أي ترامب يأمل في خلق تحالف واسع مع الاتجاهات القومية الأكثر تشدداً ربما لتفكيك الاتحاد الأوروبي بعد أن تراجع عن تصريحاته بشأن حلف الناتو وأكد على دعم أميركا القوي لهذا الحلف الذي كان سيعيد النظر فيه حسب وعوده السابقة.
والموضوع الذي يهمنا أكثر من أي شيء آخر هو سياسة ترامب تجاه ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي والقضية الفلسطينية: هل سينفذ وعده بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وماذا سيفعل مع ملف التسوية؟. حتى الآن ليس واضحاً ماذا ينوي أن يفعل. فعلى سبيل المثال إدارة ترامب في تصريحها من يوم الخميس الماضي الذي حمل معانيَ متناقضة وقالت فيه إن المستوطنات القائمة حالياً لا تعيق السلام، لكن بناء إسرائيل مستوطنات جديدة أو توسيعها للمستوطنات القائمة في الأراضي المحتلة قد لا يفيد في سبيل تحقيق، مستخدمة بذلك نبرة أكثر اتزاناً من تصريحاتها السابقة المؤيدة لإسرائيل. وليس واضحاً ما هو موقف ترامب من تمرير قانون شرعنة المستوطنات في الضفة الغربية الذي أقرته الكنيست في ليلة الثلاثاء الماضي، فحتى كتابة هذا المقال لم يصدر أي تعليق أميركي.
وربما ينتظر ترامب قبل تحديد موقفه النهائي من ملف الصراع أن يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي وبعض القادة العرب، وربما يدعو إلى قمة تجمع بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي مع بعض القادة العرب للبحث في وضع المنطقة بما في ذلك التسوية السياسية. وبعيداً عن التفاؤل والتشاؤم ستتضح الصورة عما قريب سلباً أو إيجاباً، على الرغم من أن وضعنا الداخلي لا يوحي بالتفاؤل.