اعتدنا أن نرسمَ المستوطنات في بوسترات الدعاية الفلسطينية، على صورة أفاعٍ تلتفُّ على جسدنا الفلسطيني، واعتاد العالم أن ينظر إليها على أساس أنها عقبةٌ في طريق السلام. وأنها تَحول دون تأسيس دولتين لشعبين، ومعظم دول أوروبا وأميركا يقسمونها إلى مجموعتين، استيطان مشروع، وآخر ممنوع، لأنه يتعارض مع حقوق الإنسان!
كثيرون لا يعرفون منزلة الاستيطان، والرجوع إلى أرض الميعاد في العقيدة الدينية اليهودية، والمسيحانية الصهيونية.
أرض الميعاد ليست هي حدود ما قبل الرابع من حزيران 1967، ولكنها كل الأرض، ما قبل، وما بعد!! هذا ما يتبناه اليوم أكبر الأحزاب الإسرائيلية المشاركة في الحكومة، حزب البيت اليهودي، وحزب الليكود الحاكم.
الليكودي، غلعاد إردان، وزير الأمن الداخلي قال يوم 13-2-2017 ليست هناك أرضٌ أخرى لدولة أخرى غير أرض إسرائيل، هذا ما أدركته الإدارةُ الأميركية الجديدة، بزعامة، دونالد ترامب!
المستوطنات الصهيونية، عند المسيحانيين الصهاينة، وعددهم ستمائة مليون، هي الطريق الموصل إلى عودة المسيح المنتظر، بدونها لن يعود المسيح، لذا فهم يدعمون المستوطنات ماليا، ومعنويا، لأنها مُقدَّسة!
أما المستوطنات في العقيدة الدينية اليهودية، فهي فريضة من الفرائض الأساسية في الدين اليهودي، فطائفة الحاسيديم الحريدية الدينية، وهي أكبر الطوائف الدينية تعتقد بأن اللهَ لا يقبل دعاءَ اليهودي، ما دام بعيدا عن أرضه، أرض الميعاد، فالحاخام الكبير، يهودا القلعي يؤكد على فريضة الاستيطان بقوله:
"لا تُقبلُ صلوات اليهود، ومناسكهم، وعباداتهم، إلا في أرضهم"!!
لذا على كل يهوديٍ، أن يكون مستوطنا لكي تُقبل صلواتُه!
وهم يسلسلون التوبة الواجبة على كلِّ يهودي، وفق ثلاث مراحل:
توبة الخوف، وهي الاستغفار، وطلب الرحمة في الغُربة بعيدا عن أرض الميعاد، أما التوبة الثانية، فهي توبةُ الأرض، عندما يتوبُ اليهوديُ وهو على أرضه، ببنائها، بماله، وعرقه، أما التوبة الثالثة، فهي توبةُ الحُبٍّ.
بهذه التوبة، توبة الحب يعودُ الماشيَّحُ المنتَظَر، بعد معركة، مجدو الأخيرة بين الخير والشر، حينئذٍ، يدخل الناسُ في الدينِ اليهوديِّ أفواجا!!
كذلك، فإنَّ الحارديم يُجيزون لليهودي أن يُطلِّقَ زوجتَه، إذا رفضتْ الهجرة من المنفى إلى أرض الميعاد.
كما أنهم من منطلق إيمانهم بفريضة الاستيطان، يرشون التراب الفلسطيني على قبرِ كل يهوديٍّ، يموت، ويُدفن في المنفى!
تمكَّن الصهاينة في بداية تأسيس إسرائيل، أن يُخفوا هذه الحقائق، بستارة الكيبوتسات، واليسارية، والاشتراكية، والدولة الديمقراطية في صحراء الديكتاتوريات، وما إن استقرَّ الحالُ واتَّسعتْ دولتُهم حتى بدؤوا يُزيلون الستائر عن هذه العقيدة، فقاموا بترويضنا، وجعل الاستيطان العنصري مستساغا في الإعلام بطرقٍ عديدة، أبرزها:
التسمية، (الاستيطان) فهو اسم محبَّبٌ يعود أصلُه إلى الوطن، والوطنية.
ثمَّ جعلونا نتراجع عن مطالبنا بتفكيك المعازل العرقية، ونطالب بإيقافها، ثم تراجع سقفُ مطالبنا، لنطالب بخطوة أخرى أقلَّ، وهي تجميد بناء هذه المعازل، أي أن تُحفَظ في عُلبةٍ محكمة، حتى لا تفسد، في جهاز التبريد، لتخرج سليمة مُعافاة!!
ثم انخفض سقف مطالبنا درجةً أخرى، فأضفنا إلى الاستيطان العنصري، تعبيرا آخرَ جديدا، غرزه الإسرائيليون بحُنكة، فأضافوا لهذه المعازل كلمة جديدة:
(النشاط) الاستيطاني، واقتبس إعلامُنا هذه التسمية، وأصبح يرددها كلَّ مساء وصباح، وفق الصيغ التالية:
ازدياد النشاط الاستيطاني، مضاعفة النشاط الاستيطاني، وقف النشاط الاستيطاني،
تجميد (النشاط) الاستيطاني..!!
أي أن المعازل العرقية المغتصبة، المسماة (مستوطنات) تحولَّتْ إلى نشاطٍ، وحركة مستحبَّة، تُشبه النشاطَ الفنيَ، والرياضيَ، والثقافي، والاجتماعي!!