ضم الضفة الغربية: إسرائيل في سباق مع الزمن

أشرف العجرمي
حجم الخط

تجري الأوساط الحكومية الإسرائيلية نقاشات محمومة من أجل إصدار قرار بضم مستوطنة «معاليه أدوميم» الواقعة في الأراضي المحتلة بالقرب من مدينة القدس المحتلة.
ومن الواضح أن هناك أغلبية تؤيد مثل هذا القرار وربما تتريث الحكومة في اتخاذ موقف من إجراء الضم بسبب دعوات كل من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الأمن أفيغدور ليبرمان اللذين يدعوان إلى عدم الإسراع باتخاذ مثل هذا القرار خوفاً من أن يسبب ذلك أزمة دبلوماسية مع الولايات المتحدة. وقد أبلغ ليبرمان لجنة الخارجية والأمن في الكنيست أول من أمس أن إسرائيل تلقت رسالة مباشرة من الولايات المتحدة بأن فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية سيتسبب بأزمة فورية مع الإدارة الأميركية.
وقال إنه على الائتلاف الحكومي أن يوضح أنه لا نية لإسرائيل لفرض سيادتها على الضفة الغربية، وذلك في معرض رده على مبادرة نواب من الائتلاف لتقديم قرار بهذا الخصوص في الكنيست.
ومن الواضح أن الخطوة الإسرائيلية بالضم قادمة في أسرع وقت ممكن لأن اليمين المتطرف في إسرائيل بزعامة رئيس «البيت اليهودي» نفتالي بينت يعتقد أن الوضع الراهن في ظل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مناسب تماماً ومثالي للذهاب قدماً في مشروع ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل.
ولا يرى غالبية هؤلاء أن الولايات المتحدة ستكترث كثيراً لأي قرار إسرائيلي من هذا القبيل ولا يرون أن دعوات ليبرمان ونتنياهو للتريث أكثر من مجرد تخوفات لا مبرر لها.
وتتبلور في إسرائيل خطة سياسية بديلة لحل الدولتين الذي ادعى كثيرون أنهم معه بمن فيهم نتنياهو الذي فشل في التقاط أي فرصة للتقدم على هذا الطريق وتراجع مرات عديدة في اللحظات المناسبة عن فعل أي شي يمكن أن يدفع الحل قدماً أو يمهد الطريق أمامه، والخطة الجديدة تقوم على ضم كامل الضفة الغربية بدلاً من ضم قسم من مناطق (ج) كما كان في السابق، والذهاب إلى حل دولة إسرائيل الموسعة التي تشمل إسرائيل بحدود العام 1967 وكامل الضفة الغربية، وإخراج قطاع غزة من الحل باعتباره الدولة الفلسطينية.
والتعامل مع المواطنين الفلسطينيين في الضفة كمواطنين من درجة ثانية أو ثالثة لا حقوق سياسية لهم ولا يسمح لهم بالمشاركة في الانتخابات أو أي فعل سياسي آخر.
وهذا ما عبر عنه مؤخراً عضو الكنيست ميكي زوهر من «الليكود» الذي يطرح ضم الضفة الغربية وعدم منح الفلسطينيين حقوقاً متساوية.
والتوقعات لدى أوساط مطلعة في إسرائيل أن يمضي الائتلاف في خطة الضم التدريجي للضفة بدءاً من «معاليه أدوميم» وانتهاءً بكل مساحة الضفة.
إذا لم تجد إسرائيل رداً دولياً رادعاً، لأن الرأي العام الإسرائيلي بات مقتنعاً بأكاذيب نتنياهو بأن المشكلة هي لدى الجانب الفلسطيني الذي الذي يرفض العروض الإسرائيلية «السخية»، وآخر استطلاع للرأي نشر في الصحافة الإسرائيلية أمس ونفذه مركز الديمقراطية التابع لجامعة تل أبيب يظهر أن 57% من الإسرائيليين يؤيدون موقف نتنياهو الذي يرفض الاستجابة لدعوة وزير الخارجية الأميركي جون كيري لاستئناف المفاوضات على أساس خطة كيري والاجتماع الرباعي الذي شارك فيه كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بالإضافة إلى كيري ونتنياهو. وهذا دعم كبير لم يتوقعه نتنياهو وبالتأكيد سيدفعه نحو مزيد من التطرف.
هناك من يعتقد في إسرائيل أن نتنياهو فعلاً يريد حل الدولتين حسب المفهوم الدولي لأنه يفهم بالضبط ما يريده العالم، وأنه لا يستطيع الذهاب نحو هذا الخيار لأنه سيفقد حزبه وأنه ليس مثل شارون الذي عندما انشق عن «الليكود» أخذ غالبية الحزب معه، فخروج نتنياهو سيكون بائساً ولن يغادر معه أكثر من أربعة أو خمسة أعضاء كنيست، كما أنه سيفقد رئاسة الحكومة التي هي بالنسبة له أهم من أي شيء آخر.
وهناك من يرى أن نتنياهو لا يؤمن إطلاقاً بحل الدولتين كما يريد الفلسطينيون والعرب والمجتمع الدولي وهو عندما تشتد الضغوط على إسرائيل يبادر إلى طرح صيغة لإفشال أي توجه دولي جدي نحو التسوية. وبرأيي الرأي الثاني أقرب للصواب.
على كل حال سواء أرادت إسرائيل ضم 60% من مساحة الضفة أو كلها فخطواتها ستتسارع بمقدار الضغط الدولي وبشكل عكسي كلما اشتد يتباطأ وربما تتوقف وإذا كان خفيفاً أو مجرد عبارات استنكار سيمضي اليمين الإسرائيلي سريعاً في مخططه ولن يتوقف.
ولن تتأثر إسرائيل كثيراً من الدعوات لمقاطعة المستوطنات كما صدر عن أطراف أوروبية وكما هو متوقع في التقرير القادم لمفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
فالبيانات والدعوات لا تملك أسناناً ولا آليات للضغط والتنفيذ، والعالم ليس في وارد ممارسة ضغوط قادرة على دفع إسرائيل للتراجع، ولكن هناك تطورات ممكن أن تغير مجرى السياسة الإسرائيلية وهي ردود الفعل الفلسطينية، فيما لو قام الفلسطينيون بمقاومة الإجراءات الإسرائيلية بصورة جادة وفاعلة وفيما لو تأثرت المنطقة بحرارة الوضع الناشئ عن هذه الأفعال.
ولكن هي يقوى الفلسطينيون على مواجهة سياسة الضم الزاحف الإسرائيلية وهم بهذا الوضع المنقسم والمتهالك، وعندما لا يكون الهم الوطني هو المحرك الرئيس للكل الفلسطيني؟