نفق الجهاد .. ونفق نتنياهو!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

قبل أيام قليلة من قيام إسرائيل بتفجير النفق العائد لحركة الجهاد الإسلامي، سمع مواطنو قطاع غزة، خاصة هؤلاء الذين يسكنون المناطق الحدودية عدة انفجارات مستمرة ليلاً ونهاراً، وبالعودة إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية تبين أن هناك إعلاناً من قبل "قيادة الجيش الجنوبية" الإسرائيلية تشير إلى أن هناك مناورة مجدولة سابقاً على تخوم قطاع غزة وأن على المستوطنين على حدود غلاف غزة أن يأخذوا الأمر بالاعتبار وأن لا يقلقوا.. لم يقلق سكان القطاع كذلك، باعتبار أن الأمر لا يعدو مناورة عادية اعتاد الجيش الإسرائيلي في قيادته الجنوبية القيام بها بين وقت وآخر.
يلاحظ في هذا السياق، أن جيش الاحتلال شرع منذ أشهر قليلة في بناء جدار تحت الأرض على طول الحدود مع قطاع غزة، وهو ليس مجرد عائق يحول دون اختراق المقاتلين الفلسطينيين للحدود من القطاع إلى المستوطنات القريبة، ولكن بمثابة إنذار عن وجود أنفاق بالنظر إلى أن هذا الجدار مزوّد بمجسات حساسة، تكشف عمليات البناء تحت الأرض كما تكشف وجود تحرك تحت الأرض، ما يعني أن هذا الجدار الذي تجري إقامته، يشكل إنذاراً حول بناء أنفاق، وتحركات داخل هذه الأنفاق، إنه عبارة عن "إنذار مبكر"، لم يكتمل بعد، لكنه ووفقاً لبعض ما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية، كان مفيداً في اكتشاف نفق حركة الجهاد، علماً أن العديد من المصادر الإسرائيلية والفلسطينية، أيضاً، سبق وأن أشارت إلى عدم جدوى بناء هذا الجدار التحت أرضي، بل استخفت بقدرته على كشف الأنفاق، وإهدار للأموال حيث أن تكلفته تزيد على 300 مليون دولار، مع ذلك تم الشروع في بناء الجدار باعتباره "قبة حديدية" تحت الأرض لمواجهة الأنفاق، في حين أن القبة الحديدية فوق الأرض لمواجهة الصواريخ المنطلقة من قطاع غزة!
كان من اللافت أن أول من أعلن عن تفجير النفق، هو رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في إعلان متلفز، ثم توالت التصريحات من قبل المستويين السياسي والأمني لدى الدولة العبرية، الأمر الذي يشير إلى أن نتنياهو أراد من وراء هذا التفجير، إرسال عدة رسائل، إلى الداخل الإسرائيلي كما إلى الجانب الفلسطيني.
فمن بين التعليقات الصادرة عن المستويات السياسية والأمنية لدى الدولة العبرية حول تفجير نفق الجهاد الإسلامي، يجدر التوقف عند تصريحات  نفتالي بينيت الوزير في حكومة نتنياهو، الذي عقب على بيان الجيش الإسرائيلي من أنه لم يخطط لاغتيال قادة من حماس أو الجهاد عندما قام بتفجير النفق، ومع أن عدداً من الساسة في إسرائيل هاجموا تصريح الجيش الإسرائيلي الذي اعتبروه كاعتذار عن قتل القتلة، الا ان عددا من  المسؤولين اعتبروا تصريح وزير التعليم، متاجرة سياسية في إطار الصراع الداخلي في حكومة الائتلاف التي يقودها نتنياهو، باعتبار أن هناك مشاحنات بين رئيس الحكومة والوزير حول المقترح المقدم للحكومة والكنيست لإقرار تعديل جوهري في قانون الأساس الإسرائيلي (بمثابة دستور) يقضي بعدم محاكمة رئيس حكومة أثناء ولايته، بينيت كان من أبرز الرافضين لتمرير هذا المشروع، وبالتالي فإن تصريحه حول بيان الجيش يمكن اعتباره جزءاً من المعركة مع نتنياهو والليكود، الناطق باسم الجيش الإسرائيلي كان أول من رد على تصريح بينيت المذكور، متهماً إياه بمحاولة إشعال حرب والتحريض على الجيش، كما هاجم أعضاء كنيست تصريح بينيت، حيث اتهموه إضافة إلى التحريض ضد الجيش، بأنه يقوم باستعراض سياسي مستغلاً إنجاز الجيش الإسرائيلي وأنه إنما يقوم بدعاية انتخابية ظناً منه أن هناك انتخابات مبكرة للكنيست حسب النائبين عوفر شيلح واليعازر شتران (كلاهما من هناك مستقبل).
ومن المرجح أن اختيار الوقت المناسب إسرائيلياً لتفجير النفق مرتبط أساساً بتوفير المعلومات الأكيدة، ذات الطبيعة الاستخبارية، أكثر منه اختباراً مرتبطاً بأحداث معينة، مع أن هذا التفجير جاء ليرسل رسالة واضحة إلى عملية إعادة الوحدة للساحة الفلسطينية، والتقارب بين مصر وحركة حماس، وربما، أيضاً، يتوازى مع حراك أميركي يستهدف استئناف العملية السياسية، وهو في حد ذاته اختبار لمدى إمكانية وضع سلاح المقاومة كأولوية للبحث في سياق تقدم عملية المصالحة الفلسطينية، محاولة لخلط الأوراق من شأنها حسب الرؤية الإسرائيلية، أن تضع العصي في دواليب المصالحة، ولكن وأولاً وقبل كل شيء، من المرجح أن هذا التفجير وفي هذا الوقت بالذات يخدم نتنياهو شخصياً كأولوية تستبق كل الأولويات والاستهدافات الأخرى!!