الكاتب: السفير حكمت عجوري
تغريدات تهديد من وزيرين في حكومة البلطجة في اسرائيل لايرلندا بسبب قرار مجلس الشيوخ الايرلندي بالانتصار للقيم الانسانية وذلك بمقاطعة البضائع المسروقة من الاملاك الفلسطينية كونها تصنع على ارض فلسطينية مسروقة او ما تسمى بالمستوطنات، هذه التغريدات او التهديدات مع انها غير ذات قيمة وغير اخلاقية ومستفزة الا انها متوقعة من اشخاص لا يعرفون شيئا عن هذه القيم كون احدهم وهو ليبرمان وزير قنص الفلسطينيين المسالمين العزل والثاني وزير لمواصلات وطرق فصل عنصري "ابارتهايد".
حكومات البلطجة في اسرائيل كما عودتنا لا تعرف غير الابداع في الكذب والتزوير وخداع الاخرين وهي التي قامت بتزوير جوازات سفر ايرلندية وكندية ونيوزيلاندية وبريطانية من اجل تسهيل مهام عملاء موسادها في التسلل لقتل المناضلين الفلسطينيين والعلماء العرب والمسلمين كما حصل مثلا لا حصرا في دبي قبل عدة سنوات باغتيال المناضل الفلسطيني "المبحوح"، بالتأكيد انه لو كانت دولة اخرى فعلت ذلك لاقفلت سفاراتها في هذه الدول كون هذا الفعل المشين تعد سافر على سيادات الدول المذكورة ومع ذلك استكفت الدول بطرد ديبلوماسيين اسرائيليين من الدرجة الدنيا على امل ان تبقي هذه الدول وتحديدا ايرلندا على شعرة معاوية مع اسرائيل علها تخجل او تتعظ الا انها وبسبب قدرتها على التهرب من المحاسبة والعقاب وتحديها للقانون الدولي ما زالت اسرائيل تصر في كل افعالها على ان تضع نفسها مع الدول الخارجة عن القانون بوهم انها دولة فوق القانون.
هذه التغريدات/التهديدات الصهيونية لا ارى فيها سوى وسام شرف على صدور شيوخ ايرلندا بصفة خاصة والايرلنديين شعبا واحزابا ورئيسا بصفة عامة وهم الذين لا يخشون في الحق لومة لائم خصوصا عندما يتعلق الموضوع بالقيم الانسانية المتمحورة حول حقوق الانسان التي بنيت على اساسها سياسة ايرلندا الخارجية والتي اصبحت البوصلة المحركة للفعل الايرلندي، والتي هي وليدة معاناة طويلة اثر مجاعة كبرى في الفترة ما بين 1845-1851 التي اودت بحياة مليون شخص وهجرة مليونين اخرين الى اميركا وكندا اضافة الى الحكم البريطاني الذي ما زالت اثاره الى يومنا هذا حيث قسم الجزيرة الى ايرلندتين شمالية بست مقاطعات وعاصمتها بلفاست وهي تحت السيادة البريطانية وجنوبية بست وعشرين مقاطعة عاصمتها دبلن تشكل الجمهورية التي يفضل الايرلنديين تسميتها ايرلندا.
وللمغردين الصهاينة الذين يستهويهم استخدام اميركا بزعم انهم يحكمونها كما كان شارون يزعم.... اقول ان اميركا بالرغم من كل طغيانها وجبروتها الا انها تبقى الاكثر عبودية لمصالحها في العالم والزمن دوار ومع ذلك فالوضع في ايرلندا مختلف ليس بسبب ولاء ايرلندا لقيمها فقط وانما لكون العلاقة بين ايرلندا واميركا شديدة التميز والخصوصية نظرا لقوة وحجم اللوبي الايرلندي حيث يصل عدد الايرلنديين الامريكان اكثر من ثلاثين مليون نسمة وهذا اللوبي وهو الاقوى في اميركا انتج رؤساء لاميركا حتى ان اوباما الافريقي الاب واثناء زيارته الرئاسية لايرلندا قام بزيارة المدينة التي جاءت منها جدته لامه والتقى هناك مع من تبقى من احفاد اخواله. علاقة يتوجها حرص على الحفاظ على التقليد في الاحتفال بالعيد الايرلندي في يوم القديس باتريك في السابع عشر من مارس من كل عام في البيت الابيض وهو الذي اصبح عرفا سنويا يحتفل فيه رئيس وزراء ايرلندا مع الرئيس الاميركي، هذا العيد الديني الاجتماعي هو الاهم على روزنامة الاعياد الايرلندية حيث يحتفل فيه كافة الايرلنديين في كل اماكن تواجدهم داخل ايرلندا وخارجها.
الامر الذي يؤكد على ان هذه العلاقة الاميركية الايرلندية محصنة من المس من اي كان حتى من اسرائيل التي زعم رئيس وزرائها الاسبق شارون انه يحكمها. وعليه وفي سياق التهديدات الاسرائيلية الهوجاء آنفة الذكر بالضغط والمقاطعة واغلاق السفارة يحضرني ويجعلني اكرر ما قاله جرير في هجاء الفرزدق ان "أبشري بطول سلامة يا ايرلندا".
الايرلنديون انتخبوا رئيسهم الحالي مايكل دي هيجنز ومن الدورة الاولى من بين اربعة متنافسين كان احدهم مرشحا للحزب الحاكم (الفيناغيل)، ذلك ليس بسبب رئاسته لحزب العمال في حينه فهو حزب صغير قياسا لحزبي الفينافول والفيناغيل اللذان يتداولان الحكم هناك، وانما بسبب تقدير الايرلنديين لمواقف الرئيس هيجنز الصلبة والشجاعة في دفاعه طيلة حياته عن حقوق الانسان وليس كما اسلفت لقوة حزبه الشعبية.
هذا التميز في الدفاع عن حقوق الانسان كان الاساس في علاقة الصداقة التي اعتز جدا بها التي ربطتني بالرئيس هيجنز ومنذ اللحظات الاولى التي بدأت فيها مهامي سفيرا لدولة فلسطين في ايرلندا عندما كان عضوا في البرلمان الايرلندي ورئيسا للجنة الصداقة البرلمانية الايرلندية الفلسطينية. الا انها وعلى النقيض من ذلك وكما هو متوقع شكل هذا التميز للرئيس مصدر ازعاج لسفراء اسرائيل بالرغم من ان القرار السياسي للدولة في ايرلندا هو من اختصاص رئاسة الوزراء.
ايرلندا تجاوزتها الثورة الصناعية بسبب افتقارها للفحم والحديد الا ان ذلك لم يؤثر كثيرا على اقتصادها المزدهر بسبب ابداعها في الاستثمار في مجالات اخرى بحيث اصبحت تحتضن أكبر الشركات في العالم وتحديدا الاميركية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والابحاث وصناعة الادوية.
ايرلندا لم تشارك في الحرب العالمية الثانية بشكل رسمي احتراما منها لقيمها ومبادئها في الحيادية ولكنها لم تمنع خمسين الف متطوع من المشاركة في الحرب ضمن القوات البريطانية. بالطبع هذا الموقف السيادي والمبدأي الايرلندي ما زال يأخذ نصيبه من الاستعداء الصهيوني بحجة عدم الانتصار لليهود ابان هذه الحرب على اعتبار ان هذا العالم موجود ومسخر لخدمتهم.
ختاما اقول ان الفارق الشاسع بين القيم الانسانية التي تمثلها ايرلندا والعداء لهذه القيم الذي تجسده اسرائيل يوميا بحق الفلسطينيين كالفارق بين السماء والارض بحيث لو اعتبرت القيم الانسانية مؤشرا لعظمة الدول لاصبحت ايرلندا على راس قائمة الدول العظمى بينما اسرائيل على راس الدول المارقة..
من كل ذلك يتضح سبب جودة العلاقة بين فلسطين وايرلندا التي تحتضن في باطنها رفاة اول سفير فلسطيني الصديق والاخ يوسف علان الذي الغت رئيسة ايرلندا السابقة ميري ماكاليز مناسبة ديبلوماسية سنوية هامة من اجل ان تشارك في جنازته.
العلاقه بين ايرلندا وفلسطين علاقه قيمية، تتفوق فيها القيم على المصالح مع انها ما زالت تنتظر الاعتراف الايرلندي الرسمي بدولة فلسطين والذي بات قريبا والذي سيكون محفزا لبقية دول الاتحاد الاوروبي التي تشترط في علاقتها باسرائيل على احترام الاخيرة لحقوق الانسان كما ورد في البند الثاني في اتفاقية الاورومتوسطي وهذا ما كان يؤكد عليه وزير خارجية الاتحاد الاوروبي االسابق خافير سولانا بقوله ( 7/10/2010 ).
"السياسة الخارجية التي لا تعتمد على قيمنا هي سياسة غير ممكنة وغير مقبولة"