عن التهدئة والمصالحة... ملاحظات عامة

صادق الشافعي.jpg
حجم الخط

طوال الأسابيع الأخيرة، فرض عنوانا «المصالحة» و»التهدئة» نفسيهما كأكثر العناوين جلباً للاهتمام وأعمقها جدلاً، وأكثرها تبدلاً وتجدداً في التفاصيل. مبعث ذلك، تعلقهما بقضايا وطنية مركزية، وارتباطهما العميق بطبيعة ومستوى العلاقة مع دولة الاحتلال ومستقبلها. مع ضرورة الملاحظة أن نقطة المركز في عنوان «التهدئة» هي «إنهاء الحصار».
يمكن الاكتفاء بعدد من الملاحظات العامة والشاملة وتركها مفتوحة، على الأحداث نفسها ومآلاتها الواقعية.
الملاحظة الأولى، أن طلب أعضاء المكتب السياسي لـ»حماس» في الخارج القدوم إلى غزة، وموافقة دولة الاحتلال، بوساطة مصرية، على الطلب وضمان أمنهم، يؤكد أمرين: الأول، أن حكومة دولة الاحتلال مهتمة باجتماع المكتب السياسي الكامل لـ»حماس» وما يمكن أن يخرج عنه، وربما كانت تتوقع بعضه أو وصلها من بعض الطرق، وأنها جاهزة للتفاعل معه إذا تجاوب مع مطالبها وشروطها. والثاني، أن حركة «حماس» نفسها لديها من المواضيع المهمة، وربما من اختلافات في وجهات النظر حول نفس المواضيع وربما غيرها، ما يستدعي ضرورة الاجتماع الكامل لمكتبها السياسي للوصول إلى موقف وقرار موحد. يؤكد صحة هذه الملاحظة أن صلاح العاروري، أهم القادمين من الخارج، هو من أول المطلوبين لدولة الاحتلال باتهامات من الدرجة الأولى، وأن نتنياهو أجّل سفره إلى كولومبيا. 
الملاحظة الثانية، رغم أن عنوانيّ «المصالحة» و»التهدئة» يسيران معاً ويطرحان وكأنهما متلازمان، بل وكأن الأول هو المدخل إلى الثاني. إلا أن عنوان «التهدئة» ظل يحظى سياسياً وإعلامياً بالتركيز والأولوية المطلقين، لدرجة أن ذلك خلق مناخاً يوحي بالاستعداد للسير بهذا العنوان حتى دون عنوان» المصالحة» إذا ما تعرقل أو استطال زمنه. بل إن هناك في تعاطي هذه الأطراف ما يبرر الشك بأنها لا ترى في «المصالحة» أكثر من مدخل وغطاء تحضر فيه القيادة السياسية كضرورة سياسية لا يمكن تجاوزها لإضفاء الشرعية على اتفاق التهدئة، ولا يبقى لحكومتها بعد ذلك، واقعياً وعملياً، أكثر من دور شكلي إداري وتنفيذي فيما يتم التوصل إليه. يؤكد هذا الشك أن حركة «حماس»، منفردة، هي من ظل يتصدر الواجهة وهي عنوان المخاطبة والتباحث والعنوان المقصود للاتفاق. وتبدو «حماس» قابلة بذلك، وبالذهاب إلى الاتفاق إذا ما حقق لها مطالبها دونما شروط وأثمان لا تطيقها. يحصل ذلك، دون أي حضور للقيادة السياسية الفلسطينية أو استشارتها، ودونما أي التفات لما تعلنه من معارضة لما يحصل. بل ويتم الرد على اعتراضاتها وانتقاداتها بمنطق الانقسام ولغته ومفرداته. 
الأكيد، أن هذه المسلك يعطي، وقبل التوصل إلى أي اتفاق ثمناً مقدماً، ومردوداً سلبياً ومثيراً للقلق والتساؤلات على العلاقات الوطنية الداخلية بكل تعبيراتها، وعلى محاولات المصالحة وجهودها. 
الملاحظة الثالثة، أن الإدارة الأميركية، ليست بعيدة أبداً عما يحصل، وإنما تبارك وتدعم وتسهل الطريق أمام عنوان التهدئة بالأول والأساس. وهي لا تعارض عنوان «المصالحة» إذا كان في خدمة عنوان التهدئة، ولكنها ستؤيد تجاوز «المصالحة»، وتجاوز القيادة السياسية الفلسطينية معها، إذا ما تعثرت جهود تحقيقها. 
الملاحظة الرابعة، من الضروري الانتباه إلى عدم الدمج بين اتفاق «تهدئة» واتفاق «هدنة». الفروق بين شروط الاثنين كبيرة، أما الفروق بينهما بالأثمان المطلوبة من الطرف الفلسطيني فهي أكبر بكثير جداً. ما يتم التركيز عليه من الطرف الفلسطيني ورعاته هو «اتفاق تهدئة» يمكن أن يقود النجاح فيه إلى «هدنة». لكن دولة الاحتلال لا تفرق بين الأول والثاني في الشروط والأثمان التي تطلبها. وهي تتمسك بالموافقة عليها والالتزام بتنفيذها من أول سطر بالاتفاق وأول خطوة بالتنفيذ. 
هناك الكثير من الأثمان المطلوبة: منها وقف «مسيرات العودة وإنهاء الاحتلال» ووقف إبداع الطائرات الورقية، ومنها ضمان الأمن والهدوء على الحدود، ومنها وأهمها إطلاق الأسيرين وتسليم الجثمانيين لدى حركة «حماس» دون أي مقابل: لا إطلاق لأي أسير جديد، ولا إطلاق لمن أعيد اعتقالهم من محرري صفقة شاليت. لكن يبقى الثمن الأول والأخطر، هو الدخول في اتفاق للتهدئة وبالأخص للهدنة بشكل منفرد ودون توفر غطاء وطني شامل وتحت مظلة القيادة السياسية الشرعية. سواء توفر هذا الغطاء الوطني بعد تحقق المصالحة الوطنية الفلسطينية، أو بعيد ذلك وبالتوازي مع شق المصالحة طريقها وبدئها السير فيه بثبات وثقة وبشكل جاد ومقنع. لو حصل وقبلنا دفع هذا الثمن فإنه يضعنا على خط السير السريع نحو هاوية الانقسام السياسي الكياني، ولا شيء بعد الهاوية إلا طلب الرحمة من الله ومن أهل الوطن. 
ظل الرهان على وطنية ونضالية «حماس» مرافقاً لمسار العنوانين موضع الجدل «المصالحة» و»التهدئة/الهدنة»، وما زال كذلك. في مساء الأربعاء الماضي أعلنت «حماس» بيانها الصادر عن اجتماع مكتبها السياسي الكامل وحمل وفدها العائد إلى القاهرة إجاباتها ومواقفها حول العنوانين إلى الراعي المصري. في بيانها المعلن: رفضت بالاسم ثمن وقف مسيرات العودة، وأكدت استعدادها الاستمرار في مسار التهدئة (دون أثمان)، وحرصها على العلاقة مع رعاتها. أكدت في صياغات مبدئية وعامة انخراطها في مساعي المصالحة مع التركيز أن تكون مصالحة حقيقية وقائمة على الشراكة الكاملة. 
ومنذ نفس المساء تصاعد القصف المتبادل إلى درجة لم يصلها من قبل، وبدرجة غير مسبوقة من الندية. ثم جاءت العودة إلى اتفاقات وقف القصف المتبادل. هل تجدّد القصف الأخير ثم الاتفاق على وقفه هو شكل للتفاوض وتبادل الشروط تحت قذائف القصف، أم هو رسالة لنا أصبح مطلوباً أن نفهمها بأن هذه الطريق مسدودة، وأن طريق نجاتنا تبدأ بإتمام مصالحتنا واستعادة وحدتنا الوطنية في كل المجالات، وعلى كل المستويات؟