كيف يواجه العرب "الدولة القومية ليهود العالم"؟!

talal-salman-200.jpg
حجم الخط

 

في زحمة الأحداث السياسية والحربية والتطورات غير المسبوقة التي يشهدها العالم بعنوان دونالد ترامب يدفع العرب اثماناً فاحشة لحفظ الحد الادنى من عوامل استقرارهم وحقهم بمستقبل أفضل.

أخطر ما يحط من شأن العرب، كأمة وكدول، تنازلاتهم المتوالية والتي تكشف فرقتهم وتهاوي مكانتهم في العالم، في ما يتصل بقضيتهم المقدسة: فلسطين..

كانت فلسطين، قبل قرن تماماً، بلداً طبيعياً بأهله ولأهله، تتوزع – اداريا- ولايات عثمانية... ومع الحرب العالمية الثانية احتلها البريطانيون وأخضعوها لانتدابهم، واقاموا امارة شرقي الاردن ، واكملوا انجازهم باحتلال العراق، بينما أعاد الفرنسيون -معهم- إعادة صياغة "الدولة السورية"، ثم "الدولة اللبنانية"، بعد إضافة "الاقضية الاربعة" إلى "المتصرفية" في جبل لبنان التي فرضها الغرب على العثمانيين.

خلال فترة الانتداب هذه، وبتشجيع بريطاني (ودولي) بدأت هجرة منظمة ليهود الغرب إلى فلسطين، تحقيقاً "لوعد" وزير خارجية بريطانيا، آنذاك، اللورد بلفور بتحويلها إلى "وطن قومي ليهود العالم".

وفي التاريخ ايضاً، أن شعب فلسطين حاول، جاهداً، التشبث بأرضه، ومقاومة تهويد بلاده، بالضغط المتواصل (عسكرياً، عبر العمليات المسلحة..) والشراء المنهجي لأراضي غير الفلسطينيين فيها، وكان بينهم "أعيان" لبنانيون وسوريون وعراقيون ومصريون الخ..

وخلال الحرب العالمية الثانية توفرت الفرصة لتدريب عشرات الالوف من يهود اوروبا في الجيوش الغربية، تمهيداً لإرسالهم كقوى مقاتلة حسنة الاعداد إلى فلسطين، تمهيداً لقتال شعبها وإلحاق الهزيمة به وبمن سانده من دول العرب بجيوشهم الوليدة والضعيفة.

***

في 15 ايار 1948كانت الهزيمة العربية قد اكتملت، فأعلن قيام "دولة اسرائيل"، وطرد شعب فلسطين العربي من اكثر من نصف مساحتها، ليتحول إلى "لاجئين" في الاقطار العربية القريبة (الاردن، لبنان، وسوريا.. مع نتف من هذا الشعب وجدت طريقها إلى العراق ومصر وبعض اقطار الخليج.. بتسهيلات بريطانية)!

صارت فلسطين دولة لغير اهلها، وصار اهلها لاجئين، بعضهم فيها وأكثرهم خارجها.

صارت فلسطين مِزَقاً: اقيمت على بعض أرضها "دولة قومية ليهود العالم"، كما صار اسمها، الآن، في حين "منحت" امارة شرقي الاردن مع الضفة الغربية لهذا النهر، إلى الامير عبدالله فصيرها مملكة هاشمية..

ولسوف تنتظر اسرائيل هزيمة العرب ممثلين بمصر وسوريا في حرب 5 حزيران 1967، لكي تتقدم فتحتل الضفة الغربية لنهر الاردن (ومعها شبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان في سوريا).

بعد حرب استنزاف طويلة، وهدنات متقطعة، اشترك جيشا مصر وسوريا في حرب تشرين الاول رمضان 1973 (حرب العبور) التي انتكست قبل أن تحقق اهدافها، وارتضى الرئيس المصري الراحل انور السادات أن يذهب إلى اسرائيل، وان يقف امام الكنيست الاسرائيلي عارضاً "الصلح"، الذي سرعان ما سوف تتدخل واشنطن لرعايته في منتجع الرئيس الاميركي... في كمب ديفيد، قرب العاصمة الفيدرالية الاميركية.

ثم لحقت سوريا بمصر، فتوصلت تحت الرعاية الاميركية ايضاً، إلى "هدنة" مفتوحة، استعادت معها بعض الارض، في حين بقي جيش الاحتلال الاسرائيلي في هضبة الجولان الاستراتيجية.

***

كانت اجيال من العرب تحلم بوحدة قومية تنتج دولة عربية موحدة وقوية بحيث تستعيد فلسطين، وتحرر ما تبقى من الاقطار العربية تحت الاستعمار الغربي- وانتهى الامر بأن غدا معظم الوطن العربي خاضعاً لإرهاب "دولة اسرائيل" القوية بالدعم الاميركي المفتوح والرعاية الدولية الشاملة.

أما اليوم، وبعد سبعين عاماً من إقامة اسرائيل بالقوة على ارض فلسطين فان "العرب" مجموعة دول مقتتلة، منها من"باع" القضية مقرراً التعامل مع الامر الواقع، ومنها من يعيش حالة من الانقسام بالأمر والتصدع نتيجة المغامرات العسكرية البائسة (حروب الرئيس العراقي صدام حسين ضد ايران، لمدة سبع سنوات، ثم اقدامه على اجتياح الكويت، وهزيمته على يد تحالف سياسي – عسكري تحت القيادة الاميركية، برئاسة جورج بوش الابن واحتلال العراق – في العام 2003 وتسليم الحكم في ارض الرافدين بدولته المهدمة إلى "الشيعة" لتأجيج الفتنة بين الشيعة فيه والسنة، بما ينسي الجميع واقع الاحتلال الاميركي وتدمير البلاد..)

بالمقابل فان سوريا تعيش منذ سبع سنوات سلسلة من "الحروب"... ومع انها قد تجاوزت مخاطر تمزيقها الا أنها "بلاد الخراب"، اليوم، وتحتاج إلى سنوات مديدة لإعمار إعمارها وعودتها إلى دورها كمركز قيادي عربي مرموق.

***

كيف السبيل إلى فلسطين في ظل هذا الاوضاع العربية المدموغة بالهزيمة؟

وكيف يمكن منع "الدولة القومية ليهود العالم - اسرائيل" من استكمال مشروعها الاستعماري الجديد- القديم الذي ينصرف البعض عن مواجهته نفاقاً للإدارة الاميركية بقيادة المهووس بالسلطة والمال دونالد ترامب، الذي أعطى اسرائيل الضوء الاخضر بالموافقة على دولته العتيدة حين قرر نقل سفارته من تل ابيب إلى القدس المحتلة، مشجعاً دول الغرب على الاقتداء به..

إن هذا المشروع الاسرائيلي الجديد-القديم يعني، بداية، طرد فلسطينيي الداخل إلى خارج ارضهم، كما يسقط – حكماً-السلطة الفلسطينية ، ويخلخل التوازن الهش في الاردن، ويهدد سوريا ولبنان..

مع ذلك، فالعرب في شغل شاغل عنه . بينما اسرائيل، الدولة القومية ليهود العالم، تقوم امام عيون العرب المفتوحة بالدهشة الى حد الانبهار، والخوف إلى حد الادعاء انهم لا يرون ولا يعرفون بل ولا يريدون أن يعرفوا.. فهم مشغولون بصراعاتهم التي لا تنتهي.

من اين يجيء الغد العربي، وكيف يمكن أن يكون أفضل؟

تلك هي المسألة..

رئيس تحرير صحيفة «السفير» اللبنانية