«أبو سيف».. والتجمع الديمقراطي الفلسطيني!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

سواء كان عنوان مقالة الزميل والصديق عاطف أبو سيف "اليسار والدور الغائب" أم "اليسار والدور المطلوب" فإن رسالة عبر هذا المقال من المفترض أن تنال اهتمام كل قوى اليسار، جماعات وأحزابا ونخباً يسارية، البعض قد يرى في المقال مبالغة في إلقاء اللوم على اليسار، بينما البعض الآخر ربما يرى في ما جاء فيه تعبيراً عن حالة اليسار الراهنة وتقييماً واقعياً لما آل إليه، ولعلّي وجدت في هذا المقال غيرة تمتزج بالحدّة من قبل الناطق الرسمي باسم حركة فتح على اليسار، مشدداً على ضرورة أن يأخذ اليسار موقعه المفقود والمطلوب في سياق التوازن الذي لا بدّ منه في اطار الشراكة الوطنية ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.
ما قام به "أبو سيف" عملية مراجعة سريعة وقصيرة ولكنها مركّزة حول سبب غياب اليسار قوى وفصائل وأفراداً عن القيام بدوره في ظل الأزمات المتلاحقة، سواء لجهة الوضع الداخلي الفلسطيني تحت عنوان الانقسام، وغيابه عن المشاركة في اتخاذ القرارات في المؤسسة الفلسطينية الرسمية، منظمة التحرير الفلسطينية، أو في سياق مواجهة الاستحقاقات المفروضة والمطلوبة لدفن "صفقة القرن" الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية بالتوازي مع التصعيد الإسرائيلي السياسي والأمني على كافة الجبهات.
وبالتزامن مع نشر هذه المقالة، يعلن التجمع الديمقراطي الفلسطيني عن إطلاق فعالياته، أمس الثلاثاء، وكأن هذا المقال يساهم في وضع أسس لا بدّ منها لاستعادة قوى اليسار دورها المفقود في اطار "التجمع" ولعلّ في عملية المراجعة هذه التي أشار إليها "أبو سيف" ما يساعد في تنبيه مختلف القوى التي وراء التجمع إلى جملة من المعطيات والحقائق التي ربما تغيب عنها، وبذلك تسهم في الغالب، فيما يجب أن تقوم عليه هذه القوى من عملية مراجعة بسبب فشل وإخفاق كافة التجارب السابقة، وهي عديدة ومتباينة الأسماء والمناهج والأدوار، وفي فترات سياسية مختلفة، وفي ظروف ساهمت من دون شك في طبيعة هذه التكوينات والتشكيلات.
وباعتقادي أن أولى أولويات اللجنة التحضيرية للتجمع تتلخص في عملية مراجعة دقيقة لسبب فشل المحاولات السابقة، ليس فقط لاستحضار العبر، ولكن لأنني أرى أن أسباب هذا الفشل لا تزال قائمة حتى الآن، والدليل على ذلك موقف مختلف قوى اليسار والتوجهات الديمقراطية من الانتخابات البلدية قبل عامين عندما فشلت هذه القوى في توحيد صفوفها من الناحية العملية، وكان لكل واحدة منها، موقفها واستهدافاتها، ما جعل إمكانية التوجه إلى هذه الانتخابات بشكل موحّد غير متحققة، مع أن هذه الانتخابات لم تجرِ لأسباب باتت معروفة في ذلك الوقت.
والملاحَظ من خلال النقاشات التي جرت خلال الإعلان عن إطلاق التجمع الديمقراطي الفلسطيني، أن ليس هناك اتفاق واضح ومحدد حول هوية هذا التجمع، هل هو ديمقراطي واسع، أم هو عبارة عن مكون يساري ديمقراطي، مع أني أدرك في هذا السياق، أن هوية اليسار ديمقراطية، غير أنه ليس كل ديمقراطي يسارياً بالضرورة. غياب الهوية المحددة للتجمع تجعل منه هيكلاً فضفاضاً فوضوياً بالمعنى التنظيمي، الأمر الذي يضع عوائق أمام فهم واضح لطبيعة هذا التشكيل، ما من شأنه أن يضع فواصل عديدة بين المهام الوطنية ذات الأبعاد السياسية، والمهام الاجتماعية في عموم الساحة الفلسطينية، داخل الوطن والشتات.
ومن خلال مطالعة البيان الصادر عن إطلاق التجمع الديمقراطي الفلسطيني، يتبين وكأنه يحاول معالجة الأوضاع الفلسطينية الراهنة، كالانقسام و"صفقة القرن"، والتصعيد الإسرائيلي، وكأنه بذلك يشكل حدثاً عابراً لمعالجة هذه الأحداث، مع أننا كنا نعتقد ولا نزال، أن هذا التجمع كان ولا يزال ضرورة وطنية ذات طابع استراتيجي، ومحددات تشكيله تتعلق بالصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي بكل محدداته، وتأتي التحديات الراهنة كجزء من عملية المواجهة وليس كلها، ولا يجب أن يقوم هذا التجمع كرد فعل على هذه المواجهة الجزئية، ورداً على الأحداث الراهنة في الساحة الفلسطينية، ذلك أن تشكيل هذا التيار، أو التحالف، أو التجمع كان ولا يزال ضرورة وطنية كان يجب أن يكون حاضراً وفاعلاً في الساحة الفلسطينية منذ عقود، وقبل "صفقة القرن" والانقسام الفلسطيني الداخلي!