نعم سأحضر دورة المجلس الوطني القادمة في رام الله، فالدعوة وردت من رئيس المجلس بالطريقة القانونية، والمسؤولية تستدعي حضور المجلس – ولكني سأحضره وأنا لست مرتاحاً.
نعم سأحضر دورة المجلس الوطني القادم ولكنني في الوقت نفسه لست مرتاحاً لانعقاده في هذا الوقت بالذات، فالمجلس الوطني يمثل أعلى سلطة تشريعية للشعب الفلسطيني، ومن المفترض أن تكون جميع فئات الشعب الفلسطيني ممثلة في الاجتماع، ومن المفترض أن تكون جميع فئات الشعب ليس فقط مرتاحة لانعقاده، وإنما متحمسة لذلك أيضاً، هكذا كانت المجالس السابقة وهكذا يجب أن يكون أي مجلس قادم.
لم يكن المجلس الوطني أبداً مجلساً منتخباً بالمعنى الدقيق للتعبير، والسبب الرئيسي في ذلك صعوبة الانتخابات في الخارج، وكان يستعاض عن الانتخاب بعملية التمثيل، وهي أقل مرتبة من الانتخابات ولكنها أعلى من التعيين المباشر، فكان اتحاد المعلمين، على سبيل المثال، «ينتخب» شخصاً أو أكثر ليمثلهم في المجلس الوطني، وكان اتحاد الطلبة «ينتخب» كذلك مندوباً أو أكثر عنه، واتحادات المرأة «تنتخب» ممثلاتها في الاتحاد، وكانت الفصائل تسمي مندوبيها.
وكانت الساحات الجغرافية المختلفة كذلك تسمي ممثليها (للعلم كان إدوارد سعيد وإبراهيم أبو لغد ونصير عاروري – رحمهم الله، ممثلين عن الساحة الأميركية في وقت من الأوقات)، وهكذا كان المجلس الوطني يمثل قطاعات مختلفة من الشعب الفلسطيني – حسب كوتات متفق عليها.
نعم لم يكن التمثيل انتخاباً بكل ما تعني الكلمة من معنى ولكنه كان النظام الممكن والذي توافق عليه الجميع، وكانت تسير أعمال المجلس الوطني عبر سنوات طويلة ضمن هذا المنوال التمثيلي.
أما الآن فالساحة الفلسطينية تشهد بزوغ فصيلين كبيرين- حركة الجهاد الإسلامي وحركة «حماس» وهما غير ممثلتين «رسمياً» في المجلس الوطني، وحتى أكون أكثر دقة، فإن أعضاء المجلس التشريعي من «حماس» أصبحوا أعضاء أوتوماتيكياً في المجلس الوطني، ولكن الجهاد الإسلامي ليس عضواً لأنه لم يشارك في انتخابات المجلس التشريعي الأخير، ولكن كانت وما زالت مساع كبيرة تبذل لأخذ حصته «التمثيلية» في المجلس الوطني.
وأنا أدرك أن الدعوات قد وجهت إلى أعضاء المجلس التشريعي من حماس ولكن من غير الممكن أن يعتقد المرء أن الموضوع فني فقط – أي أن توزيع الدعوات يكفي لحضور أعضاء المجلس التشريعي إلى رام الله لجلسة المجلس الوطني، فهنالك خلاف رئيسي في الساحة الفلسطينية، خلاف قسم البلد إلى جزأين، وما لم يتم حل هذه القضية – أي المصالحة الوطنية - فإننا سنكون دائماً غير مرتاحين لعقد مجلس وطني لا يوجد فيه تمثيل متكامل، أو على الأقل أكبر قدر من التمثيل.
إن الأولوية الكبرى للقيادة الفلسطينية هي إنهاء الانقسام. ويصعب على أي فلسطيني أن يفهم كيف تتم اتفاقيات متتالية لإنهاء الانقسام ولكن الانقسام ما زال موجوداً، وترتفع وتيرته بين كل اتفاق والاتفاق الذي يليه.
والسبب بات واضحاً لأنه يمكن تفسير الاتفاقيات تفسيرات متعددة، فلا يوجد جدول زمني واضح لأي بند من بنود الاتفاقيات المتكررة، ومن الغريب أن خلافاً دام أكثر من ثماني سنوات يختزل باتفاق من صفحة أو صفحتين.
إن الاتفاق – حتى يكون اتفاقاً، يجب أن يتضمن التفاصيل – التي لا تترك مجالاً للتفسير والتأويل، وبعدها نكون بالفعل قد أنهينا ملف المصالحة، وبدأت آثار المصالحة تسير على الخط الصحيح.
إن دعوة المجلس الوطني قبل إتمام المصالحة سيعالج بعض النواحي الإجرائية فقط، وربما السياسات العامة، ولكن الاجتماع لن يحل المشكلة الأساسية التي تواجهنا – ألا وهي الانقسام، وما لم يتم حل الانقسام فلن يتم حل المشكلة الأكبر- ألا وهي التحرير.
لقد امتلأت الصحف مؤخراً بالأقلام الناصعة البياض التي تكتب عن موضوع الوحدة، وليس لهذه الأقلام أي مأرب سوى إنهاء الانقسام، وأشعر بحزن كبير أننا أضعنا سنوات طويلة وثمينة من حياتنا السياسية في مناكفات داخلية يمكن حلها خلال أيام بسيطة.
الشعب يطلب حل مشكلة الانقسام ولا يطلب أي شيء آخر – لا مجلس وطني ولا المحكمة الدولية ولا حتى التحرير.
نحن شعب واحد بسمات مختلفة، كلنا فلسطينيون بغض النظر عن المنطقة التي نسكن فيها أو أي توجه سياسي نؤمن به، ويهمنا أن نعيش كشعب واحد موحد – حتى ولو كنا تحت الاحتلال، نعم حتى لو بقينا تحت الاحتلال، وللاحتلال يومه بعد أن نتوحد داخلياً.
*رئيس لجنة الانتخابات المركزية.