من جديد تُثير "إسرائيل" مسألة إعادة "فك الارتباط" مع الضفة الغربية؛ كجزء من دعايتها الانتخابية لإيجاد ما يسمى بـ"الوطن البديل" لسكان الضفة الغربية والقدس الشرقية؛ وذلك بعد سلسلة قرارات استيطانية "توسعية" كضم الأغوار؛ في محاولة منها لفرض أمر واقع على الأرض؛ مستفيدةً من الدعم اللامحدود للإدارة الأمريكية الحالية برئاسة دونالد ترمب، في ظل انشغال الدول العربية بأزماتها الداخلية وتجذر الانقسام الفلسطيني الداخلي.
"فك الارتباط" عن الضفة الغربية، قرار اتخذه الملك الأردني الراحل حسين بن طلال، بناءً على طلب من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بعد قرار المجلس الوطني في الجزائر إعلان الاستقلال عام 1988.
وفي السياق ذاته، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي: "إنّه لا صحة لموضوع العودة عن قرار فك الارتباط القانوني مع الضفة الغربية"، مُوكّداً على عدم طرح هذا الملف في السابق أو الوقت الحاضر.
وفك الارتباط مصطلح سياسي يعني فك الوحدة الهيكلية والوظيفية لمؤسسات موحدة بين دولتين أو دول عدة، كما يعني رسم الحدود الفاصلة بين دولتين تمهيداً للانفصال حتى تتحقق لكل دولة سيادتها ويكون لها نظام حكمها الخاص ورقعتها الجغرافية الخاصة بها.
تمهيد لطرد سكان الضفة والقدس
بدوره، رأى وزير شؤون القدس سابقًا، خالد أبو عرفة، أنّ الشعب الفلسطيني ينظر "بعين الريبة والقلق الشديد"؛ لإعادة النظر بملف فك الارتباط مع الضفة الغربية بما فيها القدس؛ لأنّها قد تكون خطوة مفروضة على الأردن.
وأوضح أبو عرفة في حديثٍ خاصة بوكالة "خبر" أنّ المعنى الآخر للخطوة هو أنّ يحمل الفلسطينيون في الضفة الغربية والقدس جواز السفر الأردني، وهذا معناه أنّ هؤلاء باتوا أردنيون موجودون على أراضي الضفة الغربية والقدس التي تعتبرها سلطات الاحتلال أراضي تابعة للسيادة "الإسرائيلية" ما يُمهد لطردهم.
ولفت إلى أنّه تم إعادة طرح "فكرة الوطن البديل" في لعبة الانتخابات؛ لأنّ الذي بات يتحكم في "الكيان الصهيوني" هي أحزاب يمنية متشددة تُؤمن بفكرة الوطن البديل؛ مُوضحاً أنّ الصحف الإسرائيلية نشرت منذ شهر عشرات المقالات التي تُطالب بتحقيق فكرة الوطن البديل لسكان الضفة الغربية إلى الأردن؛ لذلك لا يجب أن ننظر إلى هذا الأمر بسذاجة.
قرار غير مدروس
أما المختص في الشأن الإسرائيلي نظير مجلي، بين أنّ ملف إعادة فك "الارتباط" مع الضفة الغربية، يأتي كجزء من المعركة الانتخابية الداخلية الثالثة المقررة في شهر مارس المقبل.
ونوّه مجلي في حديثٍ خاص بوكالة "خبر" أنّ الذي طرح الفكرة زعيم حزب "أزرق- أبيض" بيني غانتس؛ لإرضاء اليمين الإسرائيلي بعد تورطه بالوعود عن ضم الأغوار في انجرار واضح خلف " الليكود"؛ وبالتالي الأمر غير جّدي لأنّه ليس مطروحًا من قبل الحكومة الإسرائيلية.
والضفة الغربية مصطلح أطلقه الأردن على الجزء المتبقي من فلسطين (بحدود الانتداب البريطاني) الذي لم يسقط بعد النكبة عام 1948، وضُمَّ إلى الأردن بعد معركة القدس في مؤتمر أريحا عام 1951.
وتُشكل مساحة الضفة الغربية ما يقارب 21% من مساحة فلسطين التاريخية (من النهر إلى البحر)، أي حوالي 5860 كلم2، وتشمل جبال نابلس وجبال القدس بما في ذلك الجزء الشرقي من مدينة القدس وجبال الخليل وغربي غور الأردن.
كما تُعتبر أراضي الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية) مع قطاع غزة الدولة الموعودة للشعب الفلسطيني، والتي احتلتها إسرائيل بعد حرب 1967 وتفاوض السلطة الفلسطينية على إقامتها منذ عام 1994.
مواقف الأردن واضحة
من جهته، اتفق نائب رئيس تحرير جريدة الأيام الفلسطينية عبد الناصر النجار، مع سابقه بأنّ الذي آثار ملف "إعادة فك الارتباط" بين الأردن والضفة الغربية أصوات يمنية تُروج لفكرة "الوطن البديل".
وأوضح النجار في حديث خاص بوكالة "خبر" أنّ "فك الارتباط" لم تعد فكرة مقبولة في كل الأوقات؛ لأنّ الأردن مواقفه واضحة بهذا الشأن وهي عدم العودة عن قرار فك الارتباط، مُشيراً إلى أنّ إثارة الأمر هدفه التغطية على القضايا الأساسية التي سيتم طرحها ضمن "صفقة القرن".
لا خشية من اختراق عربي
بدوره، اعتبر المختص في الشأن الإسرائيلي وجيه أبو ظريفة، أنّ الإدارة الأمريكية وإسرائيل تطرحان الكثير من المخارج البعيدة عن الدولة الفلسطينية؛ لذلك يتم الحديث عن حل الأردن و"الكونفدرالية" معها، وإقامة الحكم الذاتي في الضفة الغربية أو كيانات منفصلة؛ وذلك تماشيًا مع "صفقة القرن" التي لا تمنح الفلسطينيين الاستقلال، وبالتالي تبقى كافة هذه الحلول مرفضة.
وأشار أبو ظريفة خلال حديثه لـ"خبر" إلى أنّ الإجماع الوطني الفلسطيني ينصب على إقامة دولة فلسطينية مستقلة فوق الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، طبقًا للقرار 194؛ وخلفه موقف عربي موحد سواءً من الأردن أو غيرها.
وأوضح أنّه لا نية للأردن التي تدعم ملكًا وحكومةً وشعبًا حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، بالعودة عن قرار "فك الارتباط" الذي اُتخذ عام 1988م.
وتابع أبو ظريفة: "لا خشية من اختراق عربي؛ خاصة أنّ الجامعة العربية لن تقبل ما لا يقبله الفلسطينيون؛ وبالتالي هذه المحاولات لن تنجح وفقا للمبادرة العربية التي أُطلقت عام 2002".
تداعيات سلبية على الوصاية الهاشمية
وفيما يتعلق بمصير السيادة الأردنية على المقدسات الهاشمية حال تنفيذ قرار إعادة "فك الارتباط" مع الضفة الغربية، قال وزير شؤون القدس سابقًا: "إنّ التداعيات ستكون سلبية؛ لأنّ الكيان الصهيوني لم يسبق له منذ احتلال عام 1967؛ وحتى اليوم أنّ احترم الدور الأردني في رعاية المقدسات الإسلامية ببيت المقدس".
وختم حديثه بالقول: "الدليل على ذلك أنّه لم يعتبر أنّ المقدسات بدرجة سفارة لها حصانة؛ لذلك هو ارتكب الانتهاكات والمحرمات والتجاوزات حتى المسيحية في بيت المقدس للمصلين وحقهم في العبادة بحرية".
وتمت الوحدة بين الضفتين الشرقية (الأردنية) والغربية (الفلسطينية) بعد مؤتمر أريحا عام 1951، واعتبر أهالي الضفة الغربية مواطنين أردنيين، وظلت الوحدة قائمة مع الضفة الشرقية حتى عام 1988، عندما قرر الملك الراحل الحسين بن طلال فك الارتباط القانوني والإداري والمالي بناء على طلب منظمة التحرير الفلسطينية، مع استثناء الأوقاف التي لا تزال مرتبطة بالحكومة الأردنية حتى اليوم من إشراف وتعيينات والتزامات مالية وصيانة للأوقاف المسيحية والإسلامية.