ما هو جديد الرواية الإسرائيلية؟

حجم الخط

بقلم: أنطوان شلحت

 

أشرت في أكثر من مناسبة، استئناسًا بعدة مطالعات ودراسات، إلى أنه على صعيد الكتابة الروائية في إسرائيل، يبدو العقد بين سنتي 2005 و2015 متسمًا، ربما أكثر من أي شيء آخر، بصدور موجةٍ من الروايات القيامية (الديستوبية)؛ وإلى أن عددًا من هذه الدراسات أفلح في وضع اليد على الدافع الرئيسي وراء ازدهار هذا الحال، خلال تلك الفترة، وفحواه أن هناك أمرًا جللًا ما يحدث في الواقع الإسرائيلي الآني، وليس فقط في الذاكرة المتصلة بالماضي، يُثير الخوف والرعب، وبالأساس يؤجّج رؤىً مروّعةً حيال المستقبل.

واستنتجت إحدى تلك الدراسات، وهي للناقد أريك جلاسنر، أن هذا الصنف من الأدب ينبّه المتلقي ليس فقط إلى أنّ إسرائيل تنحو نحو التطرّف، وتصبح أكثر تديّنًا وتوحّشًا، بل أيضًا أنها باتت أكثر تأمرُكًا، نظرًا إلى أن هذه الكتابة صنف أدبي مزدهر على نحو خاص في الثقافة الشعبية الأميركية، وبالأساس في السينما، كونها تتيح عرض تأثيرات متميّزة، كما أضحت أكثر لهاثًا وراء متعة الترفيه.

ومع أن كاتب الدراسة يأخذ على كُتّاب هذه الموجة من الأدب أنهم ينتمون، في معظمهم، إلى الجناح اليساري من ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي، فهو في الوقت عينه يتحاشى إسقاط ضرورة الإصغاء إلى النبوءات السوداء الخاصة بهذا الأدب الديستوبيّ "ولو من باب الحذر والحفاظ على الذات"، على حدّ قوله.

وفي سياق دراسة جديدة، تتناول الناقدة نوريت غيرتس خمس روايات إسرائيلية حديثة لكتاب شباب صدرت بين سنتي 2016 - 2019، وترى أن ما يُعدّ جديدًا فيها هو الكتابة عن صعوبة التمييز بين ما هو وثائقي وروائي وما هو حقيقي ومُختلق، وذلك بغية التشكيك في أن بالإمكان سرد رواية.

وهذه الروايات هي "وادي هنوم (أو الجحيم)" ليفتاح أشكنازي، و"استيقاظ" لنير برعام، و"المقابلة الأخيرة" لأشكول نيفو، و"أن تتجسّس لمصلحة مكان آخر" لأورين موريس، و"في مديح الحرب" لعيلي راونر.

وتعتقد غيرتس أن هذه الروايات تُنعم النظر في شبكةٍ فوضويةٍ من الوقائع التعسفية والتناقضات، ما يحفل به الواقع الإسرائيلي، ولكنها تتجنّب تحويلها إلى قصةٍ تنطوي على حقيقة واحدة، وتشتمل على أخيار وأشرار، أسباب ونتائج، بداية ومتن ونهاية.

كما أنها تتنازل، باختيارٍ مُسبق البرمجة، عن إمكانية تنظيم الواقع، بحيث يصبح في الوسع فهمه والسيطرة عليه والعمل من داخله. وتعرض احتمالاتٍ وليس حلولًا، وفوارق من دون قواسم مشتركة، وحركة دائبة إنما بين ظواهر سائلة.

وسوية مع ذلك، ومن داخل فوضى هذا الواقع، تبحث عن سبل تُزيّن الهروب، ومن الحاضر تعود القهقرى إلى الماضي، وتبحث من خلاله عن إمكاناتٍ أخرى لمستقبل مغاير، وعن طرق للسيطرة على الزمان، وصوغه من جديد بقصد اكتشاف وعد جديد في خاتمة المطاف.

وبرأيها، لا تعكس هذه الروايات واقعًا ما بعد حداثي، ليست فيه حقيقة واحدة مطلقة وكل شيء فيه نسبيّ، وإنما على العكس هي مكتوبة في واقع فيه حقائق كثيرة، ومن الصعب أن تستشف منها الحقيقة الفعلية. لكنها على غرار الأدب ما بعد الحداثيّ ترفض أن تنظم أو تصنّف الواقع الذي تصفه، وتختار أن تقبل انعدام النظام، وأن تعكسه.

كما أنها ترفض البحث عن اليوتوبيا التي آمنت بها الحداثة، ولا تلهث وراء ماهيةٍ مطلقةٍ، أو عمق خفيّ. وتستعيض عن هذا كله بالحوار الذي يدور بين المتناقضات، من دون أن تنتصر لأيٍّ منها بشكل جليّ.

بطبيعة الحال، يحتاج إثبات هذه الأحكام إلى قراءة كل روايةٍ على حدة، للوقوف على علاقة كتاب هذه الروايات بواقعهم عبر نصوصهم، وفيما إذا هي علاقة متعدّية، وفيما إذا في الوسع استنتاج أنهم من وراء تصوير واقع الفوضى هذا يهدفون إلى تشييد أيام قادمة وواعدة. مع هذا، ثمّة أمر واحد أكيد، هو أنها تحفل بتفاصيل بشأن كل ما يتضادّ مع أيامٍ كهذه، من إحالات الزمان الراهن بدولة الاحتلال.

عن "عرب ٤٨"