أخرجوا من الموقف الجامد، ثمة منطق في خطة المنح

حجم الخط

معاريف – بقلم كوتي شوهم

منذ أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن منح مالية متساوية لعموم مواطني الدولة، لا  تكف موجات النقد عن مهاجمته. لا يوجد منطق اقتصادي، كما يدعي المنتقدون، في توزيع الاموال بلا تمييز،  فليس صحيحا  نثر 6 مليار شيكل  هكذا عبثا على من يحتاجها او يحتاجها أقل او حتى لا يحتاجها على الاطلاق. وبغياب المنطق الاقتصادي، فان الاستنتاج المحتم لمعارضي الخطة هو ان هذا بدل صمت توزعه الحكومة في ضوء الاضطراب الجماهيري والاحتجاج الهائج.

​غير أنه يوجد منطق اقتصادي في فكرة المنح المتساوية، ومن اجل فهمه يجب أن نتذكر بانه في إسرائيل يوجد نوعان من عدم المساواة. الجاري والمتراكم. عدم المساواة الجاري يرتبط بفوارق الدخل. معروف لنا ان الحد الادنى للاجور في اسرائيل هو 5.300 شيكل. والاجر الاوسط الصافي هو نحو 6.500 شيكل  والاجر المتوسط الصافي هو نحو 9.000 شيكل. والمعنى هو أن معظم الاجيرين في  اسرائيل، نحو 70 في المئة، يدخلون الى البنك مبلغا لا يسمح لهم بانهاء الشهر. واذا اضفنا مئات الالاف الذين يوجدون في اجازة غير مدفوعة الاجر أو يحصلون على بدل بطالة بسبب أزمة الكورونا، فاننا سنعزز هذا الادعاء فقط. واذا اضفنا الان كل مئات الاف المستقلين الذين  كسرت أزمة الكورونا عصا خبزهم، فاننا سنعززه باضعاف.  

​اما عدم المساواة المتراكم فيتعلق بفوارق الثراء في اسرائيل. في بحث نشر قبل نحو سنة في مجلة اقتصادية فصلية، فحص ميئور ميلغروم وجلعاد بار لفيف كيف يتوزع الثراء في اسرائيل. وكان استنتاجهما هو أن “عدم المساواة في الثراء في اسرائيل اكبر كثيرا من عدم المساواة في المداخيل”. فبينما العشرية العليا تحوز 27 في المئة من اصل الدخل القومي، فان في ايديها 51 في المئة من الثراء. المائية العليا للاقتصادات المنزلة الاكثر ثراء تحوز 5.22 في المئة من الثراء القومي، حصة تساوي حصة العشريات السبعة الدنيا في الثراء معا. وبكلمات بسيطة، فانه ليس لغالبية السكان في اسرائيل جيوب عميقة تسمح لها بتجاوز أزمة الكورونا بسلام، حتى لو ضرب لها حظها ودخلها الشهري  متوسط.

المنطق الاقتصادي للخطة يأتي من الفرضية بان الاغلبية الساحقة من السكان في اسرائيل تحتاج للمنح، ولهذا فان الخطة التي تعطي الجميع، تعطي الاغلبية الساحقة لمن يحتاجون لها حقا. اما المعطيات، كما أسلفنا، فتفيد بانه يكاد يكون الجميع يحتاجون حقا للمساعدة. هذا الاستنتاج لن يتغير اذا ما بدأنا الان بتحديد معايير الدخل وفقا للاجر والثراء كي يقرر من يحتاج اكثر  ومن يحتاج أقل.  وفقط الجهاز البيروقراطي الهائل الذي ستشغله الحكومة كي تخلق قائمة المستحقين، سيكلف مالا طائلا بساعات العمل وغيرها من  المقدرات. اضافة الى ذلك، فانه سيسمح لاقتصاديي قسم الميزانيات في المالية بتعقيد حسابات الاستحقاق وجعل تحويل الاموال معقدا وبطيئا، بل وربما وقفه تماما.

ينبغي أيضا أن يقال شيئا ما عن الشيطنة التي نلصقها بالعشريات العليا في اسرائيل. فالعشريات العليا تدفع نحو 95 في المئة من حجم ضرائب  الدخل العامة في اسرائيل. العشرية العاشرة تحول الى صندوق ا لدولة وحدها نحو 70 في المئة من حجم ضرائب الدخل. وليكن واضحا، فان العشرية الثامنة تكسب  نحو 13  الف شيكل فما فوق قبل الحسومات. العشرية التاسعة تكسب نحو 18.700 شيكل فما فوق، بينما العشرية العاشرة تكسب نحو 37 الف شيكل فما فوق. ان من ينتقد خطة توزيع المنح يدعي عمليا بان من يدخل الضرائب للدولة، لن يكون مستحقا عمليا بان يتلقى مساعدة منها عندما تسعى لمساعدة كل السكان في زمن الازمة. بمعنى ان يأخذوا منهم الضرائب مقبول، ولكن ان يحصلوا على المنح غير مقبول. وربما نضيف نقطة اخرى في هذا السياق: تفيد الابحاث انه في المجتمع الاسرائيلي من يسمح وضعهم الاقتصادي فانهم يتبرعون بسخاء للجمعيات الاجتماعية والخيرية  على مدى كل السنة، وهذا ما سيكون ايضا بالنسبة لاموال المنحة.  

يخيل أن المزاج العام والسياسي ضد نتنياهو يتغلب،  والكل يبحث عن زاوية مريحة لضربه. ولكن بالذات في ساعة الازمة نحن ملزمون بان نفحص قرارات الحكومة ورئيسها بشكل موضوعي.