لماذا فشلت التنظيمات السياسية؟ (العزلة وصحن الحمص)

حجم الخط

وكالة خبربكر أبوبكر يكتب

التنظيم السياسي هو الإطار أو الوعاء الذي يدمج الشعب بكافة فئاته ضمن أهداف وبرامج ورسالة التنظيم التي هي ذاتها رسالة الشعب، فيقومون طواعية وبوعي كامل وعن محبة شفافة ورغبة نشطة وعطاء مثمر بالعمل المركّز تحقيقًا لهذه الأهداف، التي على رأسها في الحالة الفلسطينية تحرير فلسطين.

إن الأهداف لا تنفصل عن احتياجات الجمهور، بمعنى أن بوصلة الأهداف في قلبها وروحها تمثل حقيقة الإحساس العميق لدى الجماهير بالقضية المركزية الجامعة.

تتغذى القضية المركزية من عقيدة لا تتزعزع، يتم تناقلها عبر الأجيال من جهة، ومن جهة أخرى يغذيها واقعٌ قابلٌ للفهم ضمن منهج للتغيير بما يشحذُ الهمم باتجاه هذه القضية المركزية، وليس نحو ممثليها.

وإلى ذلك تجد من ركائز ثبات وتناقل ونموّ الرسالة أو القضية المركزية مجموعة معتبرة من الرُسُل أو الدُعاة أو الجذريين المبشّرين والقدوة الذين يستنشقون هواء القضية المركزية فتتخلّل كلّ كيانهم حتى تظنّنهم ذات القضية تمشي مع خطواتهم.

إدماج وليس هرس، والفكر الوردي

أن التنظيم السياسي الفعّال هو التنظيم القادر على إدماج كل فئات الشعب في القضية المركزيّة التي تتحوّل لدى هذا الشعب، وفي الناس في مأكلهم ومشربهم وفي صحوِهم ونومهم الى نبتَة يتعهّدونها يوميًا بالعناية والرعاية حتى الإثمار.

إن مركزية الفكرة أو القضية تتحقق حينما تتجلّى لدى الناس فيما يقولون ويفعلون ولا تظل شعارات بائسة غير مفهومة التجليّ مثل: أني فلسطيني، وأني عربي، أوأني مسلم أو مسيحي أو مناضل ومجاهد ووطني، فالعاطفة أو الاحساس الذي لا تترجمه الإرادة الى فعل يومي ومنهج عمل سرعان ما تتقلّب في غرف القلب الأربع البطينين والأذينين.

التنظيم السياسي الفعّال إطارٌ أو وِعاءٌ جامع قابلٌ لاستيعاب المختلفين وتنويرهم وتثويرهم وتشغيلهم.

ومن حيث إنه إطار ووعاء جامع، لذا فهو ليس كمن يجمع حبّات الحمص ليضعها تحت مدقّة صاحب محل الحمص فيسحقها ويهرسها معًا، بل هو مثل الجامع الذي يترقب المؤمنين للصلاة صفًا واحدًا رغم اختلاف خلفياتهم أو مشاغلهم الأخرى.

بمعنى أن منبر المسجد (أو الكنيسة) إن كان بمنطق القيادة فإن الوقوف للناس صفًا واحدًا لا يمكن أن يتم إلا بوجود الرابط الوثيق من العقيدة الدينية والعقيدة الوطنية التي لا تتوفر في أصحاب فكر مدقّة صاحب محل الفلافل والحمص والمسبّحة، وإنما تتوفر لدى أصحاب الفكر الوردي حيث يتمكن البستاني أو صاحب محل الزهور تنسيق الأزهار والورود متنوعة الألوان والروائح في باقة واحدة جميلة، ونحن نريد هذه الباقة.

العزلة ثمن الفشل

فشلت قيادات التنظيمات السياسية اليوم في تنسيق الزهور، وفشلت في نظرية المِدقّة أيضا، فلم تستطع أن تجمع الناس بمحبة وكرامة وطواعية، ولم تستطع أن تجعل من العقيدة الدينية وتلك الوطنية حصنًا حصينًا لكل الأزهار المزروعة في بستان التنظيم السياسي.

لقد حطّمت القيادات البائسة كل تغريدات الثورة الفلسطينية قديمًا من مثل شعار دع ألف زهرة تتفتح في بستان الثورة، وهي إلى ذلك -أي قيادات التنظيمات السياسية في غالبها- بدلًا من أن تعتبر ذاتها نموذجًا وقدوة ومنارة يُستضاء بها اتخذت ركنًا مظلمًا قصيًا وعزلت نفسها عن الناس، وبدأت تخاطبهم كما يفعل رُكاب وسائل التواصل الاجتماعي اليوم الذين يفترضون بذاتهم مناضلين من وراء لوحة المفاتيح أو عبر الهواتف النقالة، فكأنما حق للطرفين المثل القائل كما تكونوا يولّى عليكم.

فشلت التنظيمات السياسية الثورية المناضلة في إلزام قادتها بالالتزام بما تتفق عليه، فتسطحت الأطر، وشُنِقت القوانين، وغاب القرار الجماعي، وسادت الفردية والاستبداد واللاتخصصية ومراكز القوى، فبدت الصورة قاتمة من التوزع والاشتباك والعدائية والتنافر، ولم يعد للإطار أوالطاولة التي تجمعهم أية أهمية.