لماذا يستهدف البعض خالد مشعل؟..حسن عصفور نموذجاً!!

حجم الخط

بقلم د. أحمد يوسف

 

 

 في الحوار الطويل الذي أجراه الأستاذ خالد مشعل؛ الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس، مع مركز مسارات بتاريخ 9 نوفمبر 2020، والذي دعا فيه إلى إعادة تغيير وظيفة السلطة، موضحاً أن إنهاء السلطة بحاجة إلى توافق وطني، مشدداً على ضرورة وجود توافق فلسطيني على كيفية إدارة غزة، في حال اختيار حلّ السلطة، مع تأكيده بعدم قبول دولة في غزة بمعزل عن الضفة الغربية أو الكل الفلسطيني.وقد طرح الأستاذ مشعل كذلك مقاربة لإنهاء الانقسام تقوم على ثلاثة عناصر: أولها؛ العمل معاً في الميدان وفق برنامج نضالي لمواجهة الاحتلال. وثانيها؛ الشراكة في بناء المرجعيات والمؤسسات الوطنية في السلطة والمنظمة على أسس ديمقراطية. وثالثها؛ المسارعة إلى خطوات على الأرض تعزز الثقة وتعيد الاعتبار للحريات بالضفة وغزة.

في الحقيقة، لاقى  الحديث الطويل للأستاذ خالد مشعل تقديراً واستحساناً من الجميع، إلا أن اللافت للنظر تلك "التخريجة" التي طرحها صديقنا العزيز حسن عصفور، وجاءتفي سياق زاويتهعلى موقع (أمد الإعلامي) تحت عنوان:مقترح خالد مشعل لـ"ـدولة غزة الوطنية"!في قراءة تحليلة ظالمة لما جاء في  الكلمة، حيث ذهب صديقنا بعيداً في تقييمه وتفسيره،والذي لم يخطر على بال أحدٍ غيره من البشر!!

الإشكالية في الصديق العزيز حسن عصفور أنه لا ينقصه الذكاء أوالفطنة، لكنها -كما يقول البعض- الأجندة والخلفية اليسارية المتعصبة،التي تحجب الرؤية الصائبة أحياناً، وتذهب بالمرء بعيداً في تفسيراته،وتسلبه القدرة على استكناه "عفوية" الآخرين.

بادئَ ذي بدء، أنا لا أُخفي تحيزي للأستاذ خالد مشعل (أبو الوليد) بحكم معرفتي به لأكثر من أربعة عقود، وبالتالي يمكنني قراءة ما يفكر به واستيعاب مدلولات خطابه،فالمسألة بالنسبة لي لا تحتاج للإدعاء بأني "قارئٌ للنيَّات"أوصاحب فراسة في فهم وإدراك الطريقة التي يفكر بها شخصكالأخ خالد (أبو الوليد)،والذي هو اليوم أحد أيقونات الحركة الإسلامية، ومشكاة مضيئة لساحتنا الفلسطينية في المشهدين الديني والوطني. فالاستاذ خالد مشعل يمثل–اليوم- أنموذجاً للفكر الإسلامي (الوسطي) المستنير، كما أنه قدوة حسنة في أخلاقه وآدابه للكثيرين من أبناء الحركة الإسلامية، وله مكانة متميزة في الساحة الإسلامية بجغرافيتها الممتدة من طنجة إلى جاكرتا، فالرجل الذي قاد حركة حماس لأكثر من عشرين عاماً، وكان أحد أعمدة التأسيس لها منذ انطلاقتها في ديسمبر 1987، وتنقل عبر حواضر الأمتين العربية والإسلامية لحشد الدعم والتأييد لقضيتنا الفلسطينية؛ باعتبارها القضية المركزية للأمة، وقاد عملية التطوير لوثيقة حماس السياسية أو "ميثاق 2017"،ليتناسب في أدبياته مع روح الدين والسياسة، وبهدف تجنيب الحركة مزالق الاتهامات التي لاحقت "ميثاق 88" لحينٍ من الوقت.. إن الذي يعرف الأستاذ خالد (أبو الوليد) يدرك بأن الرجل مارس مع ذكائه "حكمة الكبار"للحفاظ على علاقات الحركة مع "الكل الفلسطيني"، وعمل -بمثابرة عالية- لكسب النُصرة والتأييد للحركة في الفضاءات العربية والإسلامية وبين تجمعاتجالياتنا المسلمة في الغرب.

البلاء موكل بالمنطق!!

كان عليَّ أن أحمل ما كتبه صديقي العزيز حسن عصفوروعرضه على عدد من النخب السياسية، التي استمعت أو شاركت في الحوار مع الأخ خالد مشعل، لاستطلاع رأيها حول ما أورده صديقنا من اتهامات، جاءت على الشكل التالي:إن الحديث عن "إدارة مركزية وطنية" لقطاع غزة، بعد حلِّ السلطة، يمثل إعلاناً صريحاً أن الكيانية الفلسطينية تتلخص في ذلك المقترح، وكان له أن يكون مقترحاً "عملياً، لو تمَّ وضع ذلك جزءاً من إعلان فلسطين دولة تحت الاحتلال وفق قرار الأمم المتحدة، كاستبدال سياسي للسلطة القائمة، وليس حلاً بلا بديل سوى "كيان غزة الوطني".. وأضاف: إن استبعاد إعلان دولة فلسطين تحت الاحتلال من مقترحات مشعل، لا يمكن التعامل معها بأنها "سقطة سياسية"، خاصة بعد تركيزه على حلِّ السلطة مع بديل "الكيان الغزي"، وهو ما يمثل تساوقاً عملياً، بل ورسالة سياسية لمن يهمه الأمر غير الفلسطيني، أن حماس لديها الاستعداد للتفكير العملي فيما سيكون.. ويعقب بالقول: لو أن الأمر جاء ضمن رؤية وطنية حقيقية، لربط مشعل بين "إدارة غزة" والدولة تحت الاحتلال، وأن تكون جزءاً منها تتمتع بوضع خاص ضمن المركزية الوطنية، وليس إدارة مركزية خاصة بها، وكأنها سلطة مستقلة. ثم أجمل صديقنا القول بأن مقترح مشعل أخطر من "صفقة ترامب"؛ كونه يجسد مقترح الفصل الوطني الصريح، وطالب حماس بالتبرؤ منه كلياً واعتباره لا يمثلها،وطالب الكل الوطني محاربة ذلك، ووقف كل تواصل مع حماس؛لأن هذا المقترح يفتح الباب ليس لتهويد الوطنية الفلسطينية، بل لتدمير المشروع الوطني بكامله، ما يفرض التصدي له بلا انتظار!!

في الحقيقة،  كان لي شرف مشاهدة الحوار والثناء على كل ما جاء به؛ولم يراودني أيًّ من المخاوف التي تفتَّقت عنها ذهنية صديقنا العزيز لا من قريب ولا من بعيد. وبالنسبة لي، فقد تمكنالأستاذ خالد مشعل من تسلق أسوار قلعة حصينة، ونجح في فتح الباب للكثير من نخب الحركة الإسلامية وكواددرها،وشجَّعها أن تحذو حذوه في التعاطي بجرؤة مع الكثير من الأدبيات الوطنية،والتي كان يصعب –سابقاً-توطينها بسهولة في ذهنيّات الإسلاميين.

حجر الزاوية وبيت القصيد!!

وحتى نقطع الشك باليقين استدعينا "جهيزة"لتقطع لنا قول كل خطيب، فخاطبنا كل من الأخ خالد مشعل والأستاذ هاني المصري؛ مدير مركز مسارات والذي أشرف على إدارة الحوار، لأخذ رأيه فيما كتبه صديقي العزيز حسن عصفور. فأجاب الأول:إنه كان من أوائل الذين باركوا ذلك الإعلان ودعموا الرئيس عام 2012، باعتبار أن أي كسب سياسي هو كسب للقضية، وأن إعلان الدولة نحن لا نرفضه بل وقفنا إلى جانبه، ولكنه حتى اللحظة يبدو شكلياً ولا قيمة له..وللأسف؛ نحن مازلنا تحت الاحتلال، وحتى غزة لم تتحرر بالكامل. والموضوع كله لم يغب عن بالي، والسلطة بالاستقلالية والهيبة والمكانة ليست قبل تمتعنا بالتحرير الكامل..

أما الأستاذ هاني المصري، فأجاب: إن ما عهدناه عن الأخ خالد مشعل هو خطابه الهادئ الداعي لوحدة الوطن واجتماع الشمل، ولم يكن هناك في الحوار ما يدفعنا للاعتقاد بما ذهب إليه الصديق حسن عصفور.

ختاماً.. السؤال الذي يطرحه البعض في حماس: كيف خلص صديقك العزيز إلى استنتاجه الغريب؟! وإذا كان يتمتع –فعلاً- بهذه النباهة والذكاء كما تقول، فلماذا غابت عنه كل تلك الثغرات والمطبَّات التي أوقعتنا فيها أوسلو، والذي كان صديقك أحد مهندسيها النُجباء؟! وما زالشعبنا حتى اليوم، وبعد أكثر من عقدين ونصف العقد يدفع ثمن سقطاتها!!إن مشكلة صديقك العزيز – يا أخ أحمد - ليست في حواسه، فهو يسمع ويرى، بل في شفتيه،وهذه – في الحقيقة- هي نقطة خلافنا معه.وعلى أية حالٍ، حتى لو قلنا: "يا عمال العالم اتحدوا" لخرج إلينا صديقك بالقول: إنهم غير صادقين، بدليل أنهم لم يقوموا بوضع تشكيلات كافية على الحروف!!

وحتى ننهي الجدل، فأنا أقول لصديقي بمحبةٍ وعتب: ما هكذا تورد الإبل يا حسن!!