نقلاً عن موقع ستراتفور
لن يؤثر اغتيال العالم النووي الإيراني “محسن فخري زاده” ماديا على برنامج إيران النووي، لكن اغتياله مؤشر هام على أن الولايات المتحدة و(إسرائيل) تسرعان استراتيجيتهما السرية ضد إيران في الأيام الأخيرة لإدارة “دونالد ترامب”. ومن المتوقع أن ترد إيران بشكل ما، بالرغم أنها ستمتنع على الأرجح عن الرد السريع الذي قد يحول الحرب السرية مع (إسرائيل) والولايات المتحدة على الأراضي الإيرانية إلى حرب علنية.
يُقارن “زاده”، الضابط السابق في الحرس الثوري، بـ”روبرت أوبنهايمر” -أبو القنبلة الذرية الأمريكية – لدوره في قيادة مشروع “AMAD” الإيراني الذي أجرى أبحاثًا حول تطوير قنبلة نووية إيرانية. ويعد “زاده” ثاني مهندس لاستراتيجية الردع والأمن القومي الإيرانية الذي يُقتل منذ الضربة الأمريكية في 3 يناير/كانون الثاني التي قتلت “قاسم سليماني”، الذي كان مهندس استراتيجية إيران الإقليمية المتعلقة بالمليشيات.
وقال وزير الخارجية الإيراني “جواد ظريف” إن الهجوم له مؤشرات خطيرة تدل على دور إسرائيلي. ومن المرجح أن يكون الطرف المسؤول عن العملية هو (إسرائيل) بالفعل، بمساعدة من الولايات المتحدة أو بدونها؛ مما يعد علامة أخرى على أن (إسرائيل) ستسرع على الأرجح عملياتها السرية ضد البرنامج النووي الإيراني في الأشهر الأخيرة من إدارة “ترامب” وأثناء إدارة “بايدن” المقبلة في محاولة لجعل المفاوضات الأمريكية الإيرانية المحتملة أكثر صعوبة.
ولدى (إسرائيل) تاريخ طويل من الاغتيالات والعمليات السرية داخل إيران؛ فبين عامي 2010 و 2012، اغتيل 4 علماء نوويين إيرانيين في ذروة القلق الدولي بشأن برنامج إيران النووي. وفي الآونة الأخيرة، استعرضت (إسرائيل) قدراتها العملياتية في طهران من خلال اغتيال “أبو محمد المصري” المنتمي لتنظيم “القاعدة” في أغسطس/آب 2020. ومن المحتمل أيضا أن تكون (إسرائيل) متورطة، أو تقف بشكل مباشر خلف انفجارين في يونيو/حزيران ويوليو/تموز في مجمع صواريخ خوجير الإيراني ومنشأة نطنز لتخصيب الوقود.
لا تزال درجة تورط الولايات المتحدة أو إخطارها بعملية “زاده” غير واضحة، لكن إدارة “ترامب” تهدف إلى تسريع ما يسمى بحملة “أقصى ضغط” قبل رحيلها، ومن المحتمل أنها داعمة لأي عملية على افتراض أنها لم تشارك بشكل مباشر. وقد جاء الاغتيال بعد أسبوعين فقط من طلب “ترامب” خيارات عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني في أعقاب التقرير الفصلي الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن إيران.
وتشير سرعة “ترامب” لإعادة تغريد المنشورات التي أبلغت عن الحادث إلى مستوى معين من تورط الولايات المتحدة أو معرفتها أو دعمها. لكن إيران لن ترغب في فعل أي شيء يهدد الانفتاح مع إدارة “بايدن” المقبلة، التي قالت إنها ستعود إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، مقابل عودة إيران إلى الامتثال لالتزاماتها النووية.
آثار الاغتيال
لن يكون لمقتل “زاده” سوى تأثير رمزي على أنشطة إيران النووية الحالية، لكن إذا سعت إيران إلى العودة إلى برنامج أسلحة أكثر نضجا، فسوف تفتقد خبرته القيمة.
استمر مشروع “AMAD” من عام 1989 حتى عام 2003، وتشير جميع المؤشرات المعلنة من عمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن المشاريع التي تركز على تطوير الأسلحة النووية تظل خاملة إلى حد كبير على الرغم من استمرار إيران في برنامجها النووي المتعلق بتخصيب اليورانيوم والطاقة النووية المدنية.
ورغم تسريع هذه الأنشطة منذ مايو/أيار 2019 -عندما أوقفت طهران التنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية في مايو/أيار 2018- فإن ذلك لم يشمل برنامجها للأسلحة. وأكدت إيران أن جميع الخطوات التي اتخذتها منذ مايو/أيار 2019 قابلة للتراجع إذا دخلت الولايات المتحدة الاتفاق مرة أخرى.
ومن المحتمل أن يؤثر الانفجار في منشأة نطنز النووية على برنامج إيران بشكل أكبر من اغتيال “زاده”؛ لأن الانفجار دمر منشأة جديدة لتجميع أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي كانت إيران تبنيها كجزء من ردها على مغادرة خطة العمل الشاملة المشتركة. ومنذ ذلك الحين، تعيّن على إيران أن تبدأ في بناء واحدة جديدة تحت الأرض بالقرب من نطنز.
التحفظ في الانتقام
ومن المرجح أن تجبر المرتبة البارزة لـ”فخري زاده” إيران على الانتقام من (إسرائيل) أو الولايات المتحدة بطريقة ما، لكن كما رأينا مع مقتل “سليماني” في وقت سابق من هذا العام، ستسعى طهران إلى ضمان ألا يؤدي ردها إلى نزاع أوسع مع الولايات المتحدة، فيما يمكن أن يؤدي إلى ضربات مباشرة في إيران أو إلى حرب مفتوحة. ومع ذلك، لن يكون انتقام إيران من (إسرائيل) محدودا جغرافيا بالضرورة، وقد يأتي بعد شهور أو حتى سنوات.
ويبدو أن رد إيران الانتقامي على سلسلة الاغتيالات في الفترة بين 2010 و2012 جاء على شكل هجمات على دبلوماسيين إسرائيليين في جورجيا والهند وتايلاند في عام 2012، بعد عامين تقريبا من الاغتيال الأول وهجوم ستوكسنت على برنامج إيران النووي.
وتشمل الخيارات الإيرانية المحتملة الهجمات الإلكترونية أو الهجمات على الدبلوماسيين في الخارج أو الهجمات الصاروخية بما في ذلك صواريخ حلفاء إيران في أماكن مثل لبنان وسوريا والعراق.