أيام قليلة على سقوط الطائرة الروسية في شرم الشيخ، على يد الارهاب كما هو مرجح، ويومان فقط على المذبحة التي ارتكبها الارهاب في الضاحية الجنوبية، برج البراجنة في العاصمة اللبنانية، سبقت المجزرة التي ارتكبتها «داعش» في العاصمة الفرنسية باريس، في دلالة ولا أوضح على أن الارهاب يستهدف الجميع بلا استثناء، مهما اختلفت النظم السياسية أو الطوائف الدينية أو الاثنيات القومية، وهو إذ يرتكب مجزرة إثر مذبحة، بلا قيود أو أية مبررات أخلاقية، فإنه بات الهدف الذي يتوجب أن تتوحد كافة القوى على اختلاف مشاربها للقضاء عليها. الارهاب، بات هو الذي يستطيع، أن يرسم خارطة جديدة للعالم، خريطته باتت بديلاً عن «الشرق الأوسط الجديد» الذي بات شعاراً يتم استبداله «بأوروبا جديدة» ارهاب يوازي «الفوضى الخلاّقة» ونتاجا حتميا لها، متمرداً ومتجاوزاً الأهداف التي كانت وراء إطلاقها، وعلى الرغم من أن هذا الارهاب، وكما يبدو للوهلة الأولى، ينطلق من الشرق الأوسط، ومن المنطقة العربية تحديداً، إلاّ أن التدقيق في الأمر، يشير وبلا تردد أن منبع الارهاب، صناعة غربية أوروبية ـ أميركية، بالدرجة الأولى، وإذا ما دققنا قليلاً، فإن العقدة التي بسببها الأساسي، ظهر الارهاب بشتّى صوره، وقدرته على الاستمرار والهيمنة، إنما تعود أساساً إلى التواطؤ الغربي مع دولة العدوان الإسرائيلي ومدها بكل مقومات البقاء كأداة قهرية دموية ضد الشعب الفلسطيني وضد كل ما هو إنساني على وجه الأرض. الغرب عموماً، بأنظمته السياسية لم يمكن الدولة العبرية من البقاء فقط، بل انه يسّر لها امتهان كل كرامة إنسانية، في مواجهتها مع الشعب الفلسطيني، الذي مازال ضحية هذا الغرب وأدواته، خاصة إسرائيل. وبعد ساعات قليلة من الهجمة الارهابية على باريس، بدأ الاجتماع الدولي الثاني خلال أسبوعين، في العاصمة النمساوية «فيينا» والذي يضم 20 وفداً، على رأسهم وزيرا خارجية الولايات المتحدة وروسيا، هدف هذا الاجتماع، محاولة وضع أطر انتقال سياسي في سورية، إلاّ أن شبح وتداعيات الهجمة الارهابية على باريس، من المقرر أن تطغى على هذا اعمال الاجتماع، ومن المرجح أنها قد تؤثر مباشرة على الهدف المشار إليه «انتقال سياسي في سورية» لبحث هدف آخر، بات أكثر إلحاحاً، مع أنه شديد الارتباط بالهدف الأساسي، وهو تنسيق الجهود لمواجهة الارهاب، وسيتبين للمجتمعين، أن الأمر لم يعد البحث في مكانة «الأسد» في الانتقال السياسي في سورية، بل في كيفية التغلب على الخلافات المتعلقة بمكافحة الارهاب، وعلى الأقل هذا ما يمكن فهمه من تصريح وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فديريكا موغيريني وهي تنضم إلى المجتمعين «أن هذا الاجتماع يأخذ معنى آخر، بعد اعتداءات باريس»! بات من الواضح أن التوجه الدولي، بمسارين متوازيين، لكن مختلفين، لمواجهة الارهاب وقواعده في سورية والعراق، من خلال تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة، وتحالف آخر بقيادة روسيا، سيشكل أداة ضعيفة في مواجهة ارهاب من نوع جديد متمكن وعصي على التراجع الفعلي، وبهذا الصدد، أشارت بعض وسائل الإعلام، إلى أن مواجهة الارهاب هذه الأيام، يجب وبالضرورة أن تسترجع التحالف الدولي ضد النازية في الحرب العالمية الثانية، إذ رغم الاختلافات الأيديولوجية والنظم السياسية، فإن العالم توحّد في مواجهة أخطار النازية، فلماذا لا يحدث اليوم الأمر عينه، كما حدث آنذاك؟! إن الأمر يفترض مراجعة دقيقة وجريئة للسياسات التي مارستها الدول الغربية، الولايات المتحدة وأوروبا، إذا كانت هناك جدية حقيقية لمواجهة الارهاب، هذه الدول التي ستكتشف أن «الفوضى الخلاّقة» لن تنحصر في منطقة الشرق الأوسط، والمنظومة العربية تحديداً، إذ انها ستمتد إلى أوروبا وربما أميركا، ويذوق صانع السمّ ما صنع، فها هي فرنسا تغلق حدودها المجاورة لدول «الاتحاد الأوروبي» الذي بات مهدداً بدوره بوحدته من ناحية، وتشظّي نظمه السياسية من ناحية أخرى، وهناك إشارات مبكرة على أن قوى اليمين، واليمين العنصري الأقرب إلى الفاشية، سيستثمر العمليات الارهابية، ليصل إلى الرئاسات ورئاسة البرلمان في المستقبل القريب، مستفيداً من تحوّلات في المجتمعات الأوروبية بنتيجة الهجمات الارهابية، وهذا يعني تهديدا داخليا لتلك القيم التي حاول النظام السياسي في أوروبا ترسيخها لعقود طويلة، هناك اختلالات مجتمعية تؤدي إلى متغيرات سياسية. ماري لو بان في فرنسا، تعتبر أن الهجمات الارهابية على عاصمة بلادها، إنما هي ورقة اقتراع لصالحها وصالح القيم العنصرية التي تنادي بها جهاراً، وما هو إلاّ وقت قد لا يكون قصيراً حتى تمتد هذه الظاهرة لتطال أكثر من بلد أوروبي! لم يعد هناك شرق أوسط جديد، بل هناك عالم جديد، خاصة أوروبا جديدة، غير موحدة، ومتشظية داخل دولها المتفرقة، دون تجاهل ما أدت إليه الممارسة السياسية لهذه البلدان في منطقتنا العربية، عندما ساندت الارهاب بالتعاون مع أدواتها في المنطقة، على أساس إبعاد خطر الارهاب عنها، دون أن تدرك أن نار الارهاب ستمتد إليها عاجلاً وليس آجلاً، ولعل إحدى نتائج هذه السياسات، جموع المهاجرين من المنطقة العربية إلى دول الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي من شأنه، التعجيل في اختلال ميزان القوى الاجتماعي، ومن شأنه أن تكون له تداعيات سياسية، تخشاها معظم الدول الأوروبية!!